فوضى البنك المركزي الأوروبــي الخلّاقــة

22:04 مساء
قراءة 4 دقائق

مايك دولان *

بدأ التزام البنك المركزي الأوروبي بربط منطقة اليورو يخبو أمام تطبيع السياسة النقدية وإفساح المجال للتضخم ليقول كلمته في النهاية، وتحذيراً من أن شبح التضخم أصبح مرتفعاً بشكل غير مقبول، وسيظل أعلى من هدف 2% على مدى أفق توقع مدته ثلاث سنوات، أعلن البنك المركزي الأوروبي الخميس قبل الماضي عن أول ارتفاع في سعر الفائدة منذ أكثر من 10 سنوات، وذلك بعد انتهاء العمليات الجديدة لبرنامج شراء السندات طويل الأمد اعتباراً من 1 يوليو/تموز.
وقال البنك المركزي الأوروبي: إنه سينهي التيسير الكمي، ثم يبدأ برفع أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في 21 يوليو. يلي ذلك ارتفاع إضافي في 8 سبتمبر/أيلول إذا اقتضى الأمر، ومن ثم قد يذهب في خطوة أكبر ما لم تتحسن توقعات التضخم حتى ذلك الوقت.
الارتفاع السريع في التضخم كان مدفوعاً في البداية بأسعار الطاقة والغذاء؛ حيث خرجت الاقتصادات من عمليات الإغلاق الشديد جرّاء فيروس كورونا، لكن العملية العسكرية لروسيا في أوكرانيا سرّعت من هذه الاتجاهات وفاقمت الأمور سوءاً، وعلى الرغم من أن رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد، شددت على أن المؤسسة ملتزمة بتجنب ما يسمى ب «تجزئة تكاليف الاقتراض بين أعضاء منطقة اليورو مع انتهاء شراء السندات»، فإن الأسواق المالية لم تكن على يقين تام بذلك. ويُشكك العديد من المستثمرين في أن نهج لاجارد المتطور بصنع سياسات البنك، والذي يبدو أنه يعطي صوتاً أكبر للبنوك المركزية الوطنية والبلدان ذات الموقف النقدي الأكثر تشدداً، سيسمح بنفس النوع من الالتزام المفتوح لكبح تكاليف الديون كما قدمه سلفها ماريو دراجي، الذي يعود جزء من الفضل في إنهاء أزمة ديون اليورو التي استمرت عامين آنذاك إلى خطابه المتميز الذي ألقاه في لندن عام 2012، والآن بصفته رئيس وزراء إيطاليا، هناك سبب وجيه للقلق من أن هذه الكلمات لن يكون صداها كبيراً اليوم في الأسواق بعد مرور 10 سنوات، وتراجعت السندات الحكومية الإيطالية، وهي ثاني أكبر سوق للديون الحكومية باليورو من حيث الحجم، ومجسّ الديون السيادية المرتفعة لليورو عموماً، بعد إعلان الخميس مع تضخم كل من العائدات الاسمية الإيطالية والعائدات ذات الصلة بالمقياس الألماني.
ويرى فرانشيسكو جيافاتزي، أقرب مستشار اقتصادي لرئيس الوزراء الإيطالي، أن رفع البنك المركزي الأوروبي لأسعار الفائدة ليس الطريقة الصحيحة لكبح ارتفاع الأسعار، وأن البنك يرد على التضخم بأدوات خاطئة، ونظراً لأن أسواق العقود الآجلة سعّرت 1.2 نقطة مئوية من الزيادات الإضافية للبنك المركزي الأوروبي بين الارتفاع المعلن عنه مسبقاً في يوليو ونهاية العام، فقد ارتفع عائد السندات الإيطالية لأجل 10 سنوات بما يصل إلى 20 نقطة أساس في اليوم إلى أعلى مستوى له منذ 2018 عند 3.715%، وبالقرب من ذروته قبل ثماني سنوات، كما تذبذبت جميع العائدات الإسبانية والبرتغالية واليونانية.
وأشار هيتال ميهتا من «ليجال آند جنرال إنفستمنت مانجمنت» بأن البنك المركزي يأمل ألاّ يحتاج إلى وضع برنامج آخر لدعم إيطاليا. فأسعار الفائدة المرتفعة للبنك المركزي الأوروبي وتكاليف الاقتراض الإيطالية تثير التساؤلات حول استدامة الديون الإيطالية، وأعرب أوليفييه بلانشارد، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، عن قلقه من أن البنك المركزي الأوروبي لا يملك بعد الأدوات التي من شأنها إقناع المستثمرين بأن التجزئة أمر تحت السيطرة، ويفترض أن هذه ستكون مشكلة للعام أو العامين المقبلين.
ويعتقد بلانشارد أن نوع التشديد النقدي الذي من المرجح أن يحتاج إليه البنك المركزي الأوروبي لضبط التضخم كان أقل مما كان مطلوباً من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي؛ حيث كانت أسواق العمل أكثر إحكاماً في الولايات المتحدة، وبالتالي لا ينبغي أن يُضعف تشديد البنك المركزي الأوروبي، من الناحية النظرية، القدرة على تحمل الديون. مضيفاً في ذات الوقت، أن مستثمري السندات لا يزالون بحاجة إلى آلية تقنعهم بذلك، لأن الارتفاع الهائل في تكاليف الاقتراض طويل الأجل يمكن أن يغير في حد ذاته مقاييس الاستدامة ويخلق مشكلة ذاتية سيحتاج البنك المركزي الأوروبي في النهاية إلى معالجتها.
وقالت مصادر البنك المركزي الأوروبي بعد اجتماع الخميس: إن هناك أغلبية كبيرة من صانعي السياسة ضد الإعلان عن أداة جديدة لمكافحة تجزئة تكاليف الاقتراض بين أعضاء منطقة اليورو هذا الأسبوع وبشكل عام أعربت الشركات الاستثمارية عن عدم ارتياحها بشأن الإجماع المتطور داخل المجلس إذا عاد حديث التضخم إلى طاولة القمة، ويرون أن الخلاف والتردد قد يكون مكلفاً للغاية.
ومع إعلان البنك المركزي الأوروبي عن انتهاء برنامج شراء الأصول، الذي تم تقديمه في عام 2014 لتجنب الانكماش المحتمل، تصرّ لاجارد على أن البنك المركزي يمتلك المرونة للتعامل مع أي تجزئة قادمة وأبلغت لاجارد مجدداً عن التزام البنك المركزي الأوروبي بالانتقال المناسب للسياسة النقدية، وبأنه إذا كان ذلك ضرورياً، فسينشر البنك إما الأدوات المعدلة الحالية أو الأدوات الجديدة التي سيتم توفيرها.
* محرر الأسواق المالية في «رويترز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

محرر الأسواق المالية في «رويترز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"