بنك إنجلترا.. الحلقة الأضعف

22:24 مساء
قراءة 4 دقائق

مايك دولان *

أكدت موجة الجنيه الإسترليني الهابطة الشكوك، بعد تراجع العملة بأكثر من 1% مقابل اليورو، في ثاني أسوأ يوم لها منذ انهيار سبتمبر.

يشير تراجع الجنيه الإسترليني في خضم موجة التشديد الجديدة التي شهدها المركزي مؤخراً، إلى أن بنك إنجلترا هو الأقرب بين أقرانه الغربيين لتصدُّر المشهد عندما يواجه تباطؤاً اقتصادياً عميقاً العام المقبل، حتى لو كان التضخم لا يزال أعلى من الهدف بحلول ذلك الوقت.

وسواء كان هذا التقييم عادلاً أم لا، فإن هذه التوقعات تُغذي الانقسامات العميقة داخل لجنة السياسة النقدية بالبنك، والضعف البريطاني والاستسلام الغريب أمام الانكماش الاقتصادي الذي ضرب البلاد بعد الكشف عن مهزلة الميزانية الحكومية المصغرة في سبتمبر/ أيلول الفائت.

وفيما بدا لأول مرة وكأنه استعراض للقوة، رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والبنك المركزي الأوروبي، والبنك الوطني السويسري، وبنك إنجلترا، أسعار الفائدة من جديد بمقدار نصف نقطة مئوية لكل منهم، وكلهم أشاروا إلى عزمهم تشديد السياسة بشكل أكبر للقضاء على التضخم.

وبينما كان يُنظر إلى الاستطلاعات والتوجيهات حول الحل المستقبلي للفيدرالي، والمركزي الأوروبي، والوطني السويسري، على أنها متشددة نسبياً، إلا أنها كانت مختلفة تماماً من منظور البنك المركزي البريطاني، الذي رفع أسعار الفائدة للمرة التاسعة على التوالي إلى أعلى مستوى في 14 عاماً عند 3.5%، في جهوده المتواصلة لترويض التضخم المرتفع.

لكن موجة الجنيه الإسترليني الهابطة أكدت بالفعل الشكوك، حيث تراجعت العملة بأكثر من 1% مقابل اليورو، في ثاني أسوأ يوم لها منذ انهيار سبتمبر، ومن بين أسوأ خمسة أيام شهدتها منذ تفشي الوباء. وانخفضت كذلك 1.5% مقابل الدولار، و1% مقابل الفرنك السويسري.

ومن بين الأسباب الرئيسية لذلك هو تصويت اثنين من أعضاء لجنة السياسة النقدية المكونة من تسعة أشخاص لإنهاء حملة رفع أسعار الفائدة للبنك على الفور. فعلى الرغم من أن أغلبية ستة أعضاء، بمن فيهم الحاكم أندرو بيلي، اختاروا التحرك لصالح زيادة الفائدة نصف نقطة، وفضلت كاثرين مان زيادة بثلاثة أرباع النقطة، أيدت سيلفانا تينيرو وسواتي دينغرا ترك أسعار الفائدة دون تغيير أملاً بأن تسعة ارتفاعات سعرية متتالية حتى الآن تعتبر «أكثر من كافية» لإعادة التضخم إلى هدف ال 2%، بعد أن تجاوز 10% في الوقت الحاضر. علاوة على ذلك، قرأ العديد من المستثمرين تصويت كاثرين مان الوحيد المتشدد ب 75 نقطة أساس على أنه إشارة محتملة أخرى للتوقف المبكر عن حملة ارتفاع الأسعار.

وورد في محضر اجتماع بنك إنجلترا، أن دفع الإجراءات النقدية إلى الأمام الآن من شأنه أن يقلل من خطر احتياج البنك لرفع سعر الفائدة بشكل كبير في قادم الشهور حتى مع تباطؤ الاقتصاد أكثر.

قال جيمي نيفن مدير صندوق «كاندريام» لإدارة الأصول: «من الصعب توقع قدرة بنك إنجلترا على الاستمرار في رفع أسعار الفائدة في الربع الثاني للعام المقبل مع استمرار تأثير الزيادات السابقة». معتبراً أن المخاطر لا تزال على الجانب السلبي من حيث التسعير.

فإذا كان التراجع عن أي تشديد إضافي قد بدأ بشكل جدّي مع معدلات أساسية عند 3.5%، فإن ذلك يجعل أسعار السوق لمعدلات الذروة الضمنية البالغة 4.5% تبدو أكثر احتمالاً، حتى لو تسلل ذلك المعدل النهائي الضمني إلى اقل من 4.5% من حوالي 4.6% قبل قرار بنك إنجلترا، وأكثر من 5% في أواخر أكتوبر.

في السياق ذاته، لم يُشر بيان البنك الأخير وتعليقات المحافظ أندرو بيلي، بشكل واضح إلى مدى تسعير السوق بالطريقة ذاتها التي أشار بها في الاجتماع السابق الشهر الماضي. ولكن مع توقع نمو سعر الفائدة على المدى المتوسط لبنك إنجلترا في نهاية المطاف إلى نحو 4.25%، لا تزال الأسواق تبدو في وضع قوي لمفاجأة الصقور وقد يكون الجنيه الإسترليني أكثر عرضة لهذه المراجعة مع تقدم فصل الشتاء.

قال سانجاي راجا الخبير الاقتصادي في «دويتشه بنك»: «مع تصويت عضوين للتوقف مؤقتاً عن دورة التصعيد، من الواضح أن الشهية العامة لمزيد من تشديد السياسة النقدية بدأت تتضاءل بين اللجنة».

في جانب متصل، ارتفع سعر الفائدة الفيدرالي الضمني بشكل ملحوظ إلى 4.9% بعد الاجتماعات الأخيرة، ومع ذلك لا يزال أقل من 5.1% الذي أشار إليه المركزي الأمريكي. وكردٍ فعل مكافئ، فعل البنك المركزي الأوروبي ذات الأمر عند نحو 3%، وأعلن عن جدول زمني نسبياً لحل ميزانيته العمومية.

بدوره قال تشارلز هيبوورث، مدير الاستثمار في «GAM Investments»: «مع تزايد تنافر لجنة السياسة النقدية في بنك إنجلترا، لا تبدو الزيادات المستقبلية لأسعار الفائدة في الاجتماعات اللاحقة واضحة، حتى لو ظلت الضغوط التضخمية المستمرة توجه إجراءات البنك».

بعد كل شيء، إذا كانت حلول مكافحة التضخم لا تزال محل شك، ووسط الجدول الزمني الثقيل لبيع السندات الحكومية البريطانية، فضلاً عن مبيعات السندات الذهبية المستمرة من الميزانية العمومية لبنك إنجلترا، فإن شبح سبتمبر الكارثي قد لا يكون بعيداً. وبهذا الصدد قال إدوارد هاتشينغز، رئيس أسعار الفائدة في «Aviva Investors»: «بعد الاتجاه الصعودي الأخير، قد تكون قوة الجنيه الاسترليني من الآن وصاعداً موضع تساؤل إلى حد ما. ومع المزيد من التشديد الكمي القادم بالإضافة إلى كمية هائلة من إصدارات السندات الذهبية، سيظل عام 2023 متقلباً بالنسبة لسوق السندات الحكومية عموماً في المملكة المتحدة.»

* محرر الأسواق المالية في «رويترز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/57tj2zxk

عن الكاتب

محرر الأسواق المالية في «رويترز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"