عادي

عقوق الابن لايبرر الحرمان من الميراث

00:37 صباحا
قراءة 4 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني

تعددت الجرائم الأسرية في أكثر من بلد عربي خلال الشهور الأخيرة بسبب الحرمان من الميراث، الأمر الذي دفع الأزهر الشريف إلى تكثيف الفتاوى التي تؤكد ضرورة الوقوف عند حدود الله في توزيع المواريث، وعدم الانصياع لرغبات النفس في قسمة حقوق شرعية حددها الخالق سبحانه. وكثف الأزهر من توجيهاته للآباء والأمهات بعدم زرع الأحقاد بين أبنائهم بمكافأة البارين وحرمان العاقين من حقوقهم الشرعية. وشدد الأزهر على ضرورة تربية الأبناء على احترام الحقوق الشرعية وعدم تجاوزها حتى تستقر العلاقات الأسرية والاجتماعية، وتختفى الجرائم الأسرية المتكررة ضد الآباء والأمهات والأشقاء بسبب الحرمان من الميراث.

د. نصر فريد واصل عضو هيئة كبار العلماء ومفتى مصر الأسبق، يقول: حرمان الأبناء العاقين من الميراث عقاباً لهم على عقوقهم، أمر يحرمه الشرع، لأن موزع الميراث هو الله، فهو صاحب حق المنح والمنع، ولأن تداعيات هذا الحرمان على الأسرة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية كثيرة، تعددت وتنوعت جرائم العنف الأسرى، وتطورت إلى حد أن يقتل ابن أباه الذي كان سبباً في وجوده، أو يقتل الأخ شقيقه متنكراً لصلة الدم والرحمة، وما تطالعنا به وسائل الإعلام من جرائم منكرة بسبب الحرمان من الميراث أمر مفزع ومؤلم، ولا يجب أن تحدث هذه الجرائم في مجتمعات ترتبط بوشائج مودة ورحمة مثل مجتمعاتنا.

الصورة

ويؤكد د. واصل أن التوزيع العادل للميراث من أهم أسباب صلة الرحم، ويقول: اتباع الهوى والظلم في توزيع هذا الحق الإلهي من أخطر أسباب الشقاق والتقاطع بين الأهل والمحارم، ومن عظمة شريعتنا الإسلامية أنها حددت أنصبة كل وارث بالعدل، وجنبت هذه الفريضة الأنانية والعاطفة الضيقة، ولذلك فإن الذين يبتعدون عن حدود الله في الميراث، ويحرمون هذا، ويعطون ذاك وفقاً لهواهم واستجابة لمشاعرهم، يزرعون بذور الفتنة والشقاق بين الأبناء، وما يحدث الآن من جرائم منكرة بسبب الحرمان من الميراث نتيجة للتعدي على حدود الله، ومنع حقوق قررها الخالق سبحانه وتعالى.

ويضيف: يجب أن يدرك الجميع أن الله عز وجل هو من وزع الميراث، ولا يجوز لأحد إذا ما قرر الخالق حقاً أن يصادره، أو يتلكأ في تنفيذه، أو يتحايل عليه بأي شكل، فشأن المسلم أن يكون أمام ما يقرره الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول «سمعنا وأطعنا».

ويوجه د. واصل نصيحة للأبناء فيقول: حتى لو انساق الأب وراء مشاعره تجاه بعض أبنائه بسبب عقوقهم وجحودهم فعلى الأبناء أن يصححوا ما فعله الأب بعد رحيله، رحمة بأبيهم ورحمة بأنفسهم وإنقاذاً لصلة الرحم ومشاعر الود والمحبة التي يجب أن تجمع بين الإخوة والأهل.

إصلاح

عن سلوك بعض الآباء الذين يعانون عقوق أبنائهم ويحرمونهم من الميراث عقاباً لهم على ذلك، تقول د. سعاد صالح، أستاذة الشريعة الإسلامية بالأزهر: رغم فداحة ما يفعله هؤلاء من عقوق وجحود مع آبائهم، فإن الإسلام لا يعطى للأب حق توزيع ثمرة جهده وكفاحه على البارّين من أبنائه فقط، بل يجب أن يتغلب كل أب يعاني عقوق ابنه على مشاعر الغضب والحسرة داخله ويترك ما قرره الخالق من ميراث ليوزع بعد رحيله وفق ما قرر سبحانه وتعالى.

وتضيف: لا خلاف على أن الأب الذي يعاني عقوق ابنه يشعر بحسرة ومرارة عندما يرى فلذة كبده يعاند ويكابر ويتعامل معه بجحود ويتمرد على تعاليم السماء بالطاعة والبر والإحسان إلى الوالدين، وهذا الأب قد يبذل كل جهده لإصلاح ابنه ولا يرى أثراً لذلك، ومن الطبيعي أن تسيطر عليه مشاعر الألم التي تدفعه إلى عقاب ابنه العاق، لكنّ الرحمة التي غرسها الخالق في قلب كل أب يجب أن تكون هي الغالبة والمسيطرة في كل المواقف، وأن يتوجه كل أب يعاني من عقوق ابنه إلى الله، عز وجل، بالدعاء له بالهداية والصلاح.

لا علاقة للبر بالحقوق

1
د. أحمد الطيب

يؤكد د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين، أن «بر الوالدين والإحسان إليهما حق للآباء والأمهات ولا علاقة له بأي حقوق مادية أو معنوية للأبناء على آبائهم، فحق الأب والأم في البر لا يسقط أو يفتر لو كان الأب فقيراً لا يمتلك شيئاً ينتقل لأبنائه بعد وفاته».

ويوضح د. الطيب أن بر الوالدين يعني «الإحسان إلى الوالدين في كل شيء، قولاً وعملاً»، فلا يجوز لأحد من الأبناء أن يتحدث بكلمة تسيء إليهما، ولا أن يأتي بأفعال تسيء إليهما، بل لا ينظر إليهما بعينيه نظرة يُفهَم منها أنه ضائقٌ أو ضجرٌ بهما، والقرآن الكريم عنى في حديثه عن بر الوالدين بمفردات في غاية الأهمية توضح المراد ببرهما من نحو: الإحسان، الأدب، البرّ، العطف، خفض الصوت، فهذه المعاني يجب أن تسود في العلاقة، حتى لو كان هناك رأى للوالديْنِ لا يوافق هوى الابن أو البنت.

ويضيف: امتدح الله سبحانه وتعالى نبي الله يحيى، عليه السلام، لبره بوالديه فقال: «وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا»، وامتدح عيسى، عليه السلام لبره، بأمه: «وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا»، وعُمدة الاستدلال على وجوب بر الوالدين قول الله تعالى: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا»، فالآية حرمت أدنى شيء يمكن أن يسيء إلى الوالدين، ونهت عن صدور أي كلمة من الابن تشعرهما بأنه ضائقٌ بهما: «فلا تقل لهما أف» مهما كانت الأعباء والمطالبات، ومهما ثقل عليه كلام الأب أو الأم أو تصرفاتهما، فليس له الحق في أن يرد عليهما أو يبدى سخطه نحوهما، وهذا ظاهر في كلمة «أفّ» التي تنم عن الضجر والضيق، وأنه لم يعد يطيق أن يسمع هذا الكلام، فحتى هذه منهي عنها، ومن باب أولى «ولا تنهرهما» يعني لا تزجرهما ولا تعنفهما، «وقل لهما قولاً كريما» أي: قولاً فيه أدب ومروءة واحترام.

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ydjcahck

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"