عادي

عذب الكلام

22:22 مساء
قراءة 3 دقائق

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أمّ اللغات

الإطْناب هو: البلاغَةُ في المَنطقِ والوَصْف، مَدْحاً أو ذمّاً. وأطْنب في الكلام: بالغَ فيه. والإطْنابُ: المبالغة. ومنه الإطناب بالتذييل، كقول الحطيئة:

تَزورُ فتىً يُعْطي على الحَمْد ماله

ومَنْ يُعْطَ أثْمانَ المَحامِد يُحْمَدِ

فالشّطر الثاني جارٍ مجرى المثل ومُستقلّ بمعناه عمّا قبله.

وبالاعتراض، كقول النّابغة الجَعْديّ هاجياً:

لَوَ انَّ الدّاخلين - وأنْت مِنْهُم -

رَأوْكَ تعلّموا مِنْكَ المَطالا

«وأنتَ منهم» معترضةً بَيْن اسم إنّ وخبرِها، للإسراعِ إلى ذمّ المخاطَب.

ومنه الجاري مجرى الأمثال؛ لاستقلال معناه، واستغنائه عما قبله، كقول طَرَفة:

كُلُّ خليلٍ كُنْتُ خالَلْتُهُ

لا تَركَ اللَّهُ لهُ واضِحَهْ

كُلُّهُمُ أروَغُ من ثَعْلَبٍ

ما أشْبَهَ اللّيْلَة َ بالبارحَهْ

(ما أشْبَهَ اللّيْلَة َ بالبارحَة) مثل معروف

دُرر النّظم والنّثر

من نُعْمَياتكِ

بدوي الجبل (محمد سليمان الأحمد)

(من البسيط)

مِنْ نُعْمَياتكِ لي أَلْفٌ مُنوَّعَةٌ

وكُلُّ واحدةٍ دُنْيا مِنَ النّورِ

رَفَعْتِني بجَناحَيْ قُدْرةٍ وهَوىً

لِعالمٍ مِنْ رُؤى عَيْنَيْكِ مَسْحورِ

أُخادعُ النَّوْمَ إشْفاقاً على حُلُمٍ

حانٍ على الشَّفَةِ اللَّمْياءِ مَخْمورِ

وزارَ طَيْفُكِ أجْفاني فَعَطَّرَها

يا للطُّيوفِ الغَريراتِ المَعاطيرِ

رَشَفْتُ صَوْتَكِ في قَلْبي معتّقةً

لَمْ تُعتصرْ وضياءً غيْرَ مَنظورِ

خَلَقْتِنِي مِنْ صَباباتٍ مُدَلَّهَةٍ

ظَمْأى الحَنينِ إلى دَلٍّ وتَغْريرِ

فكيْفَ أَغْفلْتِ قلْبي مِنْ تَجَلُّدِهِ

لمّا تَولَّيتِ إبْداعي وتَصْويري

يا طِفْلةَ الرُّوحِ حَبّاتُ القُلوبِ فِدى

ذَنْبٍ لِحُسْنِكِ عِندَ اللهِ مَغْفورِ

عِنْدي كُنوزُ حَنانٍ لا نَفادَ لَها

أَنْهَبْتُها كًلَّ مَظْلومٍ ومَقْهورِ

أُعطي بِذِلّةِ مَحْرومٍ فَوا لَهَفي

لِسائلٍ يُغْدقُ النَّعْماءَ مَنْهورِ

من أسرار العربية

فروق لغوية: بَيْن الإحْجام والكَفّ؛ الإحْجام: الكَفّ عمّا يَسْبق فعْلُه. يقال: أحْجَم عن القتال، ولا يقال أحْجَم عن الأكل والشرب. بَيْن الإذْن والإجازة؛ الإذْن: الرُّخْصة في الفِعْل قبل إيقاعه. والإجازة: الرُّخْصة في الفعل بعد إيقاعه. بيْن الإرادة والمَشيئة؛ الإرادة: العَزْمُ على الفِعْل، أو التَّرْكُ بعد تصوّر الغاية، المترتبة عليه من خير، أو نفع. وهي أخصّ من المَشيئة، لأنّ المَشيئة ابتداءً العزم على الفعل. بَيْن الارْتيابِ والشكّ؛ الارْتيابُ: شكٌّ مع تُهمة؛ تقول إنّي شاكّ اليوم بهَطْل المطر. بَيْن الاسْتفهام والسؤال؛ الاستفهام لا يكون إلّا لما يجهله المستفهم، أو يشكّ فيه، لأنّ المُستفهم طالب أن يفهم. ويجوز أن يكون السّائل يسأل عّما يعلم وعن ما لا يعلم. والشكُّ نقيض اليقين؛ يقول الشاعر:

مَنْ كانَ يزعمُ أَن سيَكتُم حبَّه

حتّى يُشَكِّكَ فيه، فهو كَذُوبُ

هفوة وتصويب

يقولُ بعضُهم: «إنّهُمْ واثقونَ مِنْ فُلانٍ» وهي خطأ، والصّوابُ «واثقون بفلانٍ» لأنّ الفعل «وَثِقَ»، يتعدى بالباء. ووثِقْتُ بفلان أَثِقُ، ثقةً: إذا ائتمنتُه.

وتردُ كثيراً عبارة «وقدْ لَعبَ دوراً مُهماً في شأن كذا..»، بمعنى فعله لأمر ما، وهي خطأ، والصّوابُ «أدّى دوراً». أمّا في التمثيل، فيُقال «مثّلَ دوراً جيداً..». لأنّ اللّعبَ، ضدُّ الجِدّ، ويُقال لكلّ مَنْ عَمِلَ عملاً لا يُجْدي: إِنما أَنتَ لاعِبٌ. واللُّعْبَةُ: التِّمْثالُ، وما يُلْعَبُ به.

قال امرؤ القيس:

تَلَعَّبَ باعِثٌ بذِمَّةِ خالدٍ

وأَوْدى عِصامٌ في الخُطوبِ الأَوائل

من حكم العرب

إذا رُمْتَ أمْراً فَلا تَعَجَلَنْ

وإلّا نَدِمْتَ على فِعْلِهِ

فَما عَثْرَةُ المَرْءِ قَتّالةٌ

إذا كانَ يَمْشي على مَهْلِهِ

البيتان للشّاعِرِ القَروي (رَشيد سليم الخوري)، يقول على الإنسان أن يتمهّل ويتّئد في معظم ما يبغي صنعه، لأنّ التعجّل قد يؤدي إلى ما لا تحمد عُقباه. 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4npzkst8

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"