عادي

أحمد محمد عبيد... شاعر في معطف باحث

19:58 مساء
قراءة 4 دقائق
1
  • كتابة تؤمن بالكلمة وتتسم بالمثابرة والمسؤولية

الشارقة: علاء الدين محمود

«الكلمة متشابكة ومترابطة في جميع سياقاتها سواء كانت إبداعاً أو بحثاً وتوثيقاً، اهتمامي بالشعر فتح لي آفاقاً أرحب في التفكير والتخيل والرؤية الإنسانية المحلية، الخاصة بتفاصيل الحياة القديمة»، هكذا تحدث الكاتب والشاعر والباحث الإماراتي أحمد محمد عبيد، بكلمات تشير إلى عوالمه الإبداعية الأثيرة وحياة يعيشها متنقلاً بين الشعر بجمالياته، والتراث الذي يوفر لقاموس الشاعر مفردات الحنين والشوق وبعض لمحات الشجن التي عرفت بها نصوصه الشعرية، فهو يقول: «أكتب بقلم الباحث وروح الشاعر».

أنتج عبيد خلال تجربته مع الكتابة العديد من الإصدارات والمؤلفات في مجالات الأدب والبحوث رفد بها المكتبتين الإماراتية والعربية، وهو من الكتّاب الذي تميزوا بغزارة الإنتاج، كما عُرف بالجدية وروح المثابرة والمسؤولية؛ حيث إن الكلمة عنده أمانة وعمل حثيث لا يجب أن يتوقف كما لا يجب أن يزاحمه أي أمر آخر؛ إذ إن للكتابة والبحث والشعر عند عبيد الأولوية دائماً وحصة الوقت الأكبر له، وهو يقول عن تلك الثنائية والاشتباك بين الشعر والتراث: «أنا أدركت جوانب من الحياة القديمة التي عاشها الآباء والأجداد، وكنت أحد الشهود عليها، وبما أني أدركت ذلك أصبحت بطريقة ما أحمل الذخيرة التي تمكنني من دراسة ذلك، سواء من خلال الرؤية الشعرية أو الرؤية البحثية؛ لذلك فإنني حاولت وأحاول ما أمكن تسليط الضوء عليها، لإيصالها عبر الوسائل الممكنة للأجيال القادمة».

*مشهد أدبي

شهدت منطقة دبا الشارقة مولد عبيد، وهي الفضاء والمسرح الذي ترعرع فيه عبيد؛ حيث تشكلت وتكونت بداياته الأدبية، واختار طريق الشعر منذ وقت باكر من سبعينات وبداية ثمانينات القرن الماضي، وإضافة إلى كتابته للقصيد، فإن عبيد ظل يراقب على الدوام الحركة الأدبية في الإمارات ويهتم بها باعتبارها متطورة وتتزاحم فيها الأجناس الإبداعية المختلفة، فهو يلاحظ أن هنالك وجوداً لأنماط أدبية بعينها في فترات محددة، فلئن كان الشعر حاضراً على الدوام، فإن مرحلة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، شهدت حضور القصة القصيرة، فيما يشهد الوقت الراهن طغيان الرواية على جميع الأجناس الأخرى؛ حيث تميزت كل تلك المراحل الزمنية بأسماء عديدة، ففي الشعر كان هنالك أحمد أمين المدني، وسلطان العويس، وفي القصة القصيرة برز عبد الحميد أحمد، وسلمى مطر سيف، وعبد الرضا السجواني، وفي مرحلة الرواية برزت مريم الغفلي، وعائشة سالم، والعديد من الأسماء.

*رحلة

الشعر عند عبيد هو العالم الذي يلجأ إليه، وهو المسيرة والرحلة الإبداعية التي تشهد على مكانة الشاعر الكبيرة في المشهد الثقافي الإماراتي والعربي، ويرى أحد النقاد أن القصيدة عند عبيد تسكن على ضفاف الروح؛ وذلك لما تتصف به قصائده من الإحساس المرهف الذي يستحوذ على مقامات الشجن ولأنه من الشعراء الإماراتيين المبدعين في القصيدة الكلاسيكية فهو يبقى مختلفاً في نهجه عن كثير من شعراء جيله المحدثين الذين ظهروا بنتاجهم الشعري؛ حيث ظهرت شاعرية عبيد بقوة منذ بداية كتابته للقصيد، ولئن تميز في الأسلوب العمودي في نظم الشعر، فهو كذلك قد خاض تجربة التفعيلة؛ حيث إن مجموعاته الشعرية المتعددة تضم في أغلبها القصائد العمودية والقليل من التفعيلة التي يقول عنها: «هي أصعب كتابة لأنها تتطلب تقنية عالية»·

*إنتاج

خلال مسيرته مع الشعر أصدر عبيد العديد من الدواوين والأعمال الشعرية؛ حيث كانت البداية مع مؤلفه الأول «شموع وقناديل»، الذي صدر في عام 1992، وكان بمنزلة بداية الغيث؛ حيث صدر للشاعر بعدها الكثير من الأعمال والمجموعات مثل: «مع الليل»، و«عاشق في زمن الغربة»، و«من أغاني العشق القديم»، و«بقايا كلمات»، و«رؤى نابضة»، و«همسات على أعتاب الروح»، وكل تلك الإصدارات وجدت صدى طيباً في أوساط القرّاء والنقاد، وتميزت بتنوع المواضيع الشعرية والتجارب الحياتية، فإلى جانب الغزل، يحضر الوطن، والتغني بالعروبة، وسيرة المكان وعطريته، وذكر المواقف والإخوانيات والروح الرفاقية للذين جمعتهم بالشاعر أواصر الصداقة، كما تنتفح نصوصه على الإنسانية حاملة قيم الخير والمحبة والتسامح، ودائماً ما تحدث عبيد عن مسألة الإنتاج الغزير الذي يتميز به، فهو يقول: «اعتدت حينما تجتمع عندي 20 قصيدة تكفي لديوان أقوم بنشره مباشرة».

*مؤلفات

والواقع أن عبيد لم يكتفِ فقط بجمع وكتابة أشعاره؛ بل وألف كذلك العديد من الكتب والمؤلفات حول الشعر؛ حيث دعم من خلالها الحراك الثقافي والأدبي في الدولة مثل: «معجم أدباء الإمارات»، و«من لقب ببيت شعر في الجاهلية والإسلام»، و«دراسات في الشعر العربي القديم»، و «العصر الجاهلي وأدبه في مصادر التراث العربي المفقودة والمخطوطة والمطبوعة»، و«شعراء عمان في الجاهلية وصدر الإسلام»، وغير ذلك من المؤلفات الأدبية وهو مجهود ضخم وكبير ويشير إلى الدور الكبير لعبيد في المشهد الأدبي والمعرفي في الإمارات والعالم العربي.

*غواية السرد

ولئن عرف عبيد بالشعر والتراث، فهو أيضا قد خاض غمار الكتابة السردية واستجاب لغوايتها، وصدرت أولى مجموعته القصصية في عام 2011، والتي جاءت بعنوان «خمس دقائق أخرى»، وفي أحد الحوارات الصحفية معه، أشار عبيد إلى أنه ظل يكتب القصة في فترات متباعدة، نظراً لزحمة الحياة، وأعباء العمل اليومي، وأرجع تأخره في نشر المجموعة القصصية إلى رغبته في أن يكون نتاجه القصصي موازياً للنتاج الشعري، وخالياً من الأخطاء والمباشرة ما أمكن، كما أن عبيد طرق باب الرواية كذلك عبر مؤلفه «أسير المرايا».

ويعد عبيد أحد أبرز الباحثين الإماراتيين في مجال التراث؛ حيث قدم العديد من الدراسات والمؤلفات والأبحاث في هذا المجال المهم ومنها: «النخلة في دولة الإمارات: مقدمة تاريخية تراثية لغوية»، و«النخيل في الحجاز في الجاهلية والعصور الإسلامية»، و«الأصول التاريخية لأسماء المواضع في دولة الإمارات»، والعديد من الكتب التي صارت مراجع في المكتبات العامة والجامعات.

*جوائز

العديد من الجوائز حصل عليها عبيد تقديراً لمؤلفاته التراثية والأدبية، ففي عام 2010، نال جائزة معرض الشارقة الدولي للكتاب، لأفضل كتاب لمؤلف إماراتي عن إصداره الذي جاء بعنوان «كعب بن معدان الأشقري»، وفي عام 2016، حاز جائزة الشارقة للشعر العربي، في الدورة السادسة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3zbatj7p

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"