عادي

عذب الكلام

23:27 مساء
قراءة دقيقتين

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أمّ اللغات

منْ لطائفِ الجِناسِ، جِناسُ الإضْمارِ أو الإشارةِ، وقدْ يُطلقُ عليهِ «التّوريةُ»، وهو أنْ يُؤتى بلفظٍ لهُ مَعْنيانِ قريبٌ وبَعيدٌ، لكن يُرادُ البعيدُ، مثلُ قولِ ابنِ دانيال، طبيبِ العُيون:

يا سائلي عَنْ حِرْفتي في الوَرى

واضَيْعَتي فيهمْ وإفلاسي

ما حالُ مَنْ دِرْهَمُ إنفاقِهِ

يأخذهُ مِنْ أَعْيُنِ النّاسِ

فالمَعْنى القريبُ، هو الغَصْبُ، أما المَقصودُ، فهو «العيون»، لأنّ القائل، طبيبُ عُيون.

دُرر النّظم والنّثر

رمتِ الفؤادَ

عنترة بن شداد (من بحر الوافر)

رَمَتِ الفُؤَادَ مَليحَةٌ عَذراءُ

بِسِهامِ لَحظٍ ما لَهُنَّ دَواءُ

مَرَّت أَوانَ العيدِ بَينَ نَواهِدٍ

مِثلِ الشُموسِ لِحاظُهُنَّ ظُباءُ

فَاِغتالَني سَقَمي الَّذي في باطِني

أَخفَيتُهُ فَأَذاعَهُ الإِخفاءُ

خَطَرَت فَقُلتُ قَضيبُ بانٍ حَرَّكَت

أَعطافَهُ بَعدَ الجَنوبِ صَباءُ

وَرَنَت فَقُلتُ غَزالَةٌ مَذعورَةٌ

قَد راعَها وَسطَ الفَلاةِ بَلاءُ

وَبَدَت فَقُلتُ البَدرُ لَيلَةَ تِمِّهِ

قَد قَلَّدَتهُ نُجومَها الجَوزاءُ

بَسَمَت فَلاحَ ضِياءُ لُؤلُؤِ ثَغرِها

فيهِ لِداءِ العاشِقينَ شِفاءُ

سَجَدَت تُعَظِّمُ رَبَّها فَتَمايَلَت

لِجَلالِها أَربابُنا العُظَماءُ

يا عَبلَ مِثلُ هَواكِ أَو أَضعافُهُ

عِندي إِذا وَقَعَ الإِياسُ رَجاءُ

إِن كانَ يُسعِدُني الزَمانُ فَإِنَّني

في هِمَّتي بِصُروفِهِ إِزراءُ

من أسرار العربية

الْفرقُ بَينَ الشَّبَهِ والشَّبيهِ: أَن الشَّبَهَ أَعَمُّ منَ الشّبيهِ؛ فنَراهم يَستعملونَ الشَّبَهَ فِي كلِّ شَيْءٍ، وقلّما يُسْتَعْمل الشَّبيهُ إلّا فِي المُتجانِسَيْن؛ تَقول: زَيدٌ شَبَهُ الأسَدِ، وَلا يَقُالُ: شَبيهُ الأسَدِ، لكن يَقولونَ: زيدٌ شَبيهُ عَمْروٍ.

بَين الْمِثْل والنِدّ: أَن النِدَّ هُوَ الْمِثُل المُنادّ، أي المُعَاديُ والمُباعِدُ، وَلِهَذا سُمّيَ الضِّدُّ نِدّاً، ونَدَّدَ به: صَرَّحَ بِعُيوبِهِ، وأسْمَعَه القَبيحَ.

بينَ المكافأةِ والشُّكرِ: المكافأةُ تكونُ بالنّفعِ والضَّرِّ، لأن المكافأةَ من الكُفؤ أي المِثلِ، وتكونُ بالقولِ والفعْلِ، أما الشكرُ، فلا يكونُ إلا بالنّفعِ، ولا يكون إلا قولاً. بين اللوم والعتاب: اللومُ تنبيهُ الفاعل على موقعِ الضّررِ في فعلهِ. أما العتابُ، فهو على تضييعِ مودّة أو إخلالٍ بالصداقة.

هفوة وتصويب

يقولُ بعضُهم: «أَجْهَشَ فلانٌ بالبكاء»، بمعنى انخرط في البكاء، لكن «أجْهَشَ»، معناها تَهَيّأَ. ويقولون: «حَجّ إلى البَيْتِ الحَرام»، والصواب: «حجَّ البيتَ»، لأن حجّ معناها قَصَدَ. ويقال: «أَخْمَدَ النّارَ»، أي أطفأها، لكن الإخمادَ، هو إسْكانُ اللّهيب، والصوابُ «أطفأَ النّارَ».

يقولون: «تَداعى الجِدارُ للسُّقوط»، وفيه حَشْوٌ، فالتداعي هو السُّقوطُ المتتالي، فالأصوب أن يقال: «تَداعى الجِدارُ». ويقولون: «وقد تداولَ المجتمعونَ في الأمرِ»، والصوابُ: «تداولَ المجتمعونَ الأمرَ»، أي ناقشوه.

من حكم العرب

ولو أنّي حُبِيتُ الخُلْدَ فَرْداً

لَما أحبَبْتُ بالخُلْدِ انفِرادا

فلا هَطَلَتْ عَلَيّ ولا بأرْضي

سَحائبُ ليسَ تنْتَظِمُ البِلادا

البيتان لأبي العلاء المعري، يؤكد فيهما، أن الإنسان إذا رام الخير والهناء، فليتمنّاه لجميع الناس، فالسعادة لا تكتمل أبعادها، إلا بوجود الأحبة والأصحاب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrymbrba

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"