الرّحالة محمد الحارثي

تشاء الصدف الحميدة أن أقرأ، في اليوم التالي لنشر مقالي «سياحة ابن بطوطة وسياحة اليوم»، خبراً عن صدور طبعة جديدة من كتاب «عين وجناح: رحلات في الجزر العذراء، زنجبار، تايلاند، فيتنام، الأندلس، والربع الخالي»، للشاعر والرحالة العُماني محمد الحارثي الذي رحل عن دنيانا مبكراً، عن دار «نثر» بالتعاون مع صالون دهاريز الفني في مسقط، وهو كتاب الرحلات الأوّلُ للحارثي.
في مقالي المشار إليه تناولت المقارنة التي عقدها سلامة موسى بين الرحلة الشهيرة لابن بطوطة الذي جاب القارات والبلدان في نحو عشرين عاماً متواصلة، ليدوّن حصيلة ذلك التطواف في كتاب ظلّ خالداً ومرجعاً، وبين سفراتنا اليوم، التي نطير فيها المسافات التي قطعها ذلك الرحالة العربي في يوم أو يومين «فلا نزداد علماً، ولا نجد الفرصة للخلوة أو المقارنة بين قيمنا وقيم شعوب البلدان التي نزورها» كما قال سلامة موسى.
محمد الحارثي قبل أن يكون رحّالة فإنه شاعر وأديب، له بصمته في الحركة الشعرية الجديدة في وطنه عمان وفي المنطقة، ورغم أنه ابن القرنين العشرين والحادي والعشرين، لكن لا ينطبق عليه المأخذ الذي أورده سلامة موسى، فالرجل يعتبر «أحد أهم كتّاب أدب الرحلات في العالم العربي، مراهناً على محاولات إخراج نص أدب الرحلة العربي القديم من كلاسيكيّته ليجعله نصاً حداثياً».
ليس «عين وجناح» هو كتاب الرحلات الوحيد للحارثي، فله صدر، عدا ذلك، كتاب «محيط كتمندو»، والذي حاول فيه، كما قال هو نفسه «تخليق شخصيات شبه (روائية) مكشوفة بالنسبة للقارئ»، وكان الكتاب الأول قد فاز بجائزة ابن بطوطة للرحلة العربية عام 2003، كما صدر له كتاب ثالث في أدب الرحلات هو «فلفل أزرق» رحلتان في سيلان، وصدر بعد وفاته.
ويمكن أن نقرأ للحارثي شهادة حول رؤيته لكتابته في أدب الرحلات تضمّنها كتابه «حياتي قصيدة وددتُ لو أكتبها»، حين قال: «لم أنتهج الطريق السهل الذي اتبعه شعراء وكُتاب لهم محاولاتهم في أدب الرحلة، لكنهم يكتبون غالباً عن رحلات إلى بلدان دُعُوا فيها إلى مهرجانات شعرية أو ثقافية أقاموا فيها بالكاد عشرة أيام، ليضمنوا مقالاتهم الصحفية. بالنسبة لي المسألة مختلفة في حَديَّة وجذرية النظر إليها، باعتبار الرحلة مَسعى يُمكن مقاربته بالكلمات لابتداع وإضافة مُرتقى مُضاف لعتبات ابن بطوطة وابن جُبير الأندلسي وابن فضلان البغدادي والحسن الوزان».
[email protected]