عادي

الأول والآخر جلّ جلاله

00:20 صباحا
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل

من الأمور التي لا تنازع فيها، أن ما لا يدركه الإنسان بحواسه، لا يحق له الخوض فيه، أو الحديث عنه، إلا على سبيل النقل عن مصدر صحيح؛ إذ إن الحواس الخمس هي نافذة المرء نحو هذا الكون. وحتى هذه الحواس لها إمكانات محددة، لا تستطيع تجاوزها، فإن تحدث الإنسان عن أمر لا تصل إليه حواسه، ولم ينقل كلامه عن مصدر صحيح معتمد، نهره الناس وزجروه، وعدّوا أنه مدعٍ للعلم غير صادق، فليس بإمكان الإنسان أن يتحدث عن الحياة على ظهر المريخ أو في كوكب آخر من دون أن تبصر عيناه ذاك الكوكب أو يرى صوراً عنه، أو تسمع أذناه معلومات حوله، وكذا الحال في بقية الأمور.

وبما أن الحواس محدودة في إمكاناتها، فبدهي أن تمر عليها أمور قد تستغرب منها، لكن استغرابها لا يعني أن هذا الأمر غير ممكن أو مستحيل الحدوث؛ إذ إن الحواس تتصور الأمور بحسب أمثلة سابقة مرت بها، وتقيس عليها، فلو طُلب من شخص ما أن يصف قصراً لم يره، فمن السهل أن يعبر عن الوصف بسقف وأعمدة وحدائق غناء تحيط به من كل الجوانب، ذلك أنه بنى الوصف على مثال سابق، لكن إن لم يكن في العقل مثال سابق عن الأمر المراد الحديث عنه فمن الصعب؛ بل المستحيل أن يتمكن الإنسان من خوض غماره. لذا قد يجد المرء صعوبة في التفكير بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا؛ ذلك أن حواسه غير مدركة، وعقله لا يملك مثالاً سابقاً يقيس عليه، وهذا يقودنا إلى حقيقة أن أسماء الله الحسنى وصفاته سبحانه، لا تستطيع الحواس إدراكها، وبالتالي لا يمكنها أن تعقل معناها؛ لذا فهي تسلم بما وصف الله به نفسه.

ومن هذه الأسماء اسما الله الأول والآخر، فالأول معناه الذي لا بداية لوجوده، والآخر هو الذي لا نهاية لوجوده. هذا بالمعنى العام لهذين الاسمين، أما المعنى الخاص لكل منهما، فالأول على وزن أفعل، صفة مشبهة للموصوف بالأولية، وهو الذي يترتب عليه غيره، فالله سبحانه هو الأول الذي لا ابتداء لوجوده، كما قال البيهقي، وورد في الحديث عن عمران بن الحصين أن النبي قَال: «كَانَ اللهُ وَلمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلى المَاءِ، ثُمَّ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْض، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُل شَيْءٍ».

أما الآخر فمعناه هو الذي لا نهاية لوجوده، فليس بعده شيء، وهو الباقي بعد فناء الخلق فكل الخلق يفنى، وهو سبحانه الباقي الذي لا يعتريه فناء، «كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»، القصص: 88، وورد اسما الله الأول والآخر في قوله تعالى «هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»، الحديد:3.

الإيمان باسمي الله الأول والآخر يترتب عليه أن يُسلم الإنسان لله ما وصف سبحانه به نفسه، ثم أن يعقل أن حياته وحياة المخلوقات بُدئت بالولادة، فلا بد من نهاية لها؛ لذا في كل حال يُسلّم الأمر إلى ربه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr3nt6b2

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"