عادي

الرؤوف جل جلاله

23:09 مساء
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل

حينما تكلف شخصاً بأمر ما، وتمد له يد المساعدة أثناء عمله، فأنت ترحمه وتتلطف بحاله. أما حينما تخفف عنه العبء قبل أن تكلفه في الأمر، فأنت، ساعتئذ، ترأف بحاله، فهنالك فرق بين الرحمة والرأفة، فالرحمة تلطف بحال من كلفته أمراً أثناء أدائه ما كُلف به، أما الرأفة فهي قبل أن يُكلف في الأمر تخفف عنه من أعبائه. ولو عدنا إلى كتاب ربنا لوجدنا أن الله، سبحانه وتعالى، قرن بين الرحمة والرأفة في تسعة مواضع وكمثال عن الاقتران بينهما «هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ»، الحديد: 9، أي أن الله رؤوف بما أنزل على عباده من أحكام ترأف بحالهم قبل أن يكلفهم، فلم يكلفهم ما لا يطيقون؛ بل كلفهم بما يراعي طبيعتهم البشرية بما فيها من عدم تحمل للتعب والمشقة، فالسنة تضم اثني عشر شهراً، كلفهم بشهر صيام واحد، واليوم يتضمن أربعاً وعشرين ساعة كلفهم بخمس صلوات لو أداها العبد بخشوع لم تتجاوز بمجملها الساعة الواحدة، فهو سبحانه ترأف بحال عبده قبل أن يكلفه فلما كلفه أعانه وهنا تتجلى رحمته؛ إذ أذن بالفطر للمريض والمسافر، وبقصر الصلاة للمسافر إلى جانب أحكام عدة ترأف بها سبحانه بحال العبد قبل أن يكلفه ورحمته بعد تكليفه. وبناء على ما سبق، فالرحمة كلمة عامة والرأفة أخص وأدق في المعنى؛ بل إن الرأفة هي أعلى درجات الرحمة، ومن أسماء الله الحسنى اسم الله الرؤوف، فما معنى هذا الاسم؟

الرؤوف على وزن فعول، فهو صيغة مبالغة، وصيغ المبالغة إن وردت بأسماء الله الحسنى شملت الكم والكيف، فهو سبحانه رؤوف بعبده، ورأفته هذه تشمل جميع أمور حياة العبد؛ بل أدق تفاصيلها، ولو تفكرنا في أبسط الأمور لوجدنا رأفة الله ماثلة أمام أعيننا، فحينما يجانب العبد جادة الصواب، ويحيد عن نهج مولاه، فالله الذي أمره بين الكاف والنون قادر على أن يفني حياة هذا العبد وكأنه لم يكن، لكنه لعلمه المسبق بحال العبد من نسيان وعناد ترأف به فلم يأخذه بذنبه ولرأفته به يلهمه التوبة والأوبة إليه ثم إن تاب رحمه وتجاوز عنه.

الرؤوف سبحانه رأفته بعباده تفضل منه وكرم، والعبد المؤمن حينما يتفكر باسم الله الرؤوف يدرك مدى تلطف الله به، وأنه سبحانه لم يخلقه عبثاً ولم يخلقه ليعذبه وإنما ليقيم هذا الكون كما أمر مولاه وحتى لو حاد عن أصل ما خلق له فإن ربه رؤوف علم حاله قبل أن يخلقه فأمهله وألهمه طريق الرجوع إليه.

يعلمنا اسم الله الرؤوف أن نرأف بحال الخلق، فمن ترأف بحال غيره ترأف الله بحاله، والرأفة لا تأتي إلا بخير.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdy6zmae

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"