عادي
أحد العناصر الأكثر تأثيراً في حياة الإنسان

تعاليم الدين وآدابه.. حماية للبيئة من التلوث

23:13 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني

المخاطر التي تحيط بالبيئة في عالمنا المعاصر كثيرة ومتنوعة، وأشكال السلوكيات الخاطئة التي تضر بالبيئة وتدمر ما أنعم الله به علينا من نعم أكثر من أن تحصى، ولم تعد قاصرة على الإنسان الذي يعيش في مجتمعات نامية، بل أصبحت المجتمعات المتحضرة أكثر ضرراً بالمناخ، وأكثر تلويثاً للبيئة. وأكدت دراسة حديثة صدرت عن باحثين في جامعة القاهرة، أن الدين أحد العناصر الأكثر تأثيراً في حياة الإنسان، وتستطيع تعاليمه وآدابه وأخلاقياته أن تعدّل من سلوكياته، وتقلل من المخاطر والسلوكيات الجماعية أو الفردية.

الصورة

يؤكد د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، ضرورة الاستعانة بالتعاليم الدينية لكل الأمم والشعوب، لمواجهة المخاطر البيئية التي تحيط بالعالم، موضحاً أن الإسلام له رؤية وفلسفة واضحة في حماية البيئة من التلوث، يجب الاستفادة منها.

ويقول: «نحن كأمة إسلامية، لدينا منظومة حماية متكاملة، تتمثل في تعاليم وأوامر قرآنية، ووصايا وتوجيهات نبوية كريمة، تفرض علينا ضرورة العمل على حماية البيئة من كل صور الفساد، وهي كثيرة ومتنوعة، وبعضها يدخل في نطاق المعاصي التي تجلب لأصحابها الذنوب والآثام، وبعضها يدخل في نطاق الإفساد في الأرض الذي يستوجب عقوبات تعزيرية، حتى لا يتسبب البعض في إغراق الكل، كما أوضح لنا رسولنا العظيم صلوات الله وسلامه عليه، في الحديث الصحيح: «مَثَلُ القَائِم في حُدُود الله والوَاقِعِ فيها كمَثَل قَوم اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَة، فصارَ بعضُهم أَعلاهَا وبعضُهم أسفَلَها، وكان الذين في أسفَلِها إِذَا اسْتَقَوا مِنَ الماءِ مَرُّوا على من فَوقهِم، فَقَالُوا: لَو أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقاً وَلَم نُؤذِ مَنْ فَوقَنَا، فَإِنْ تَرَكُوهُم وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعاً، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيدِيهِم نَجَوا وَنَجَوا جَمِيعاً».

وهذا التوجيه النبوي الكريم، يؤكد ضرورة وجود عقوبات تعزيرية تحددها الجهات المختصة لكل من يرتكب سلوكاً فيه إضرار بالبيئة، فالإنسان هو المسؤول عن الكوارث البيئية أو المناخية، وعنفه في التعامل اللاأخلاقي مع الطبيعة وكائناتها الإنسانية وغير الإنسانية، وتسخيرها لمصلحته ومنفعته الخاصة، سواء كان هذا الإنسان أفراداً أو شركات أو دولاً ذات بأس لا تنظر إلا لما تحت قدميها، ولا تبحث إلا عن مصالحها الخاصة».

ويوضح د. الطيب أن موقف الفكر الإسلامي من التلوث البيئي والتغير المناخي واضح وحاسم، ويتأسس على ضوء نصوص قرآنية شديدة الوضوح، في تقرير وجوب احترام البيئة وجوباً شرعياً، فالإنسان هو خليفة الله تعالى في أرضه وكونه، وهو مسؤول عما استخلفه الله فيه، ومكلف بحماية الأرض من الإفساد فيها؛ إذ هي أمانة وضعها الله بين يديه، بعدما هيأها وأصلحها له وسخرها لمصلحته، ونهاه نهياً صريحاً عن الإفساد فيها.

الارتقاء بالبيئة

يؤكد د. علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي مصر السابق، أن اهتمام الإسلام بالبيئة ورعايته للمناخ لا تقف عند حدود الحماية، والإبقاء على الموجود كما هو، بل تتعدى رعاية الإسلام إلى «الارتقاء بالبيئة»؛ لكي يعيش الإنسان في مناخ صحي، ويستمتع كامل الاستمتاع بما أنعم الله به عليه.

ويوضح د. جمعة أن تعاليم الدين ترتقي بالسلوك الإنساني تجاه كل مخلوقات الله، فلا إفساد ولا انحراف عن هداية السماء، ومن هنا ترتقي بالبيئة، وتحميها من كل صور العدوان عليها وإفسادها، فالإنسان في تعامله مع كل شيء يحيط به، من جماد وحيوان وعناصر متنوعة للبيئة، تحكمه قاعدة الحلال والحرام، والمباح والمحظور، فالمسلم لا يخرب ولا يتلف ولا يلوث الماء ولا الهواء بسلوك عشوائي غير محسوب، إلا إذا كان يفتقد العقل والوعى، أو كان جاهلاً بأبسط تعاليم دينه، فالمسلم الذي يعرف أساسيات دينه يحافظ على كل نعم الله، ويحسن إليها، والإحسان إلى البيئة عنوان كبير في ثقافتنا الإسلامية.

الدين.. يُعلم ويوجه

ويشدد د. عطا السنباطى، عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، وعضو مجمع البحوث الإسلامية، على ضرورة الاستفادة من تعاليم الدين وآدابه وأخلاقياته، لمواجهة كل مظاهر الإفساد البيئي في عالمنا الإسلامى، ويقول: «لا شك أن تعاليم الدين تلعب دوراً مهماً لنشر الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة والارتقاء بها، وعدم الإضرار بالمناخ، حيث تُسهم في الحد من السلوكيات الضارة بالبيئة والمناخ، وليس هذا فحسب، بل الارتقاء بالبيئة حتى تكون صالحة للحياة، وتوفر للإنسان بيئة جيدة تحمي صحته أولاً، وتوفر له الجمال البيئي الذي يسعى إليه كل إنسان».

ويرى د. السنباطي ضرورة أن تُسهم المؤسسات الدينية بدور واضح في محو الأمية المناخية، وتعليم الناس عظم نعم الله تعالى عليهم، وإيجاد نوع من المشاركة بين مختلف فئات المجتمع في معالجة الآثار الضارة للتغيرات المناخية.

وعن التوصيف الشرعي لحماية البيئة من التلوث يقول: «حماية البيئة من التلوث والارتقاء بالمناخ من الواجبات الدينية على الإنسان؛ كل على قدر استطاعته، وهي تدخل أيضاً في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يجوز لمسلم أن يتخلى عن هذا الواجب طالما كان قادراً عليه، حتى لا يلحقه الإثم».

ويوضح أن النصوص الشرعية، والتوجيهات والآداب الإسلامية، وكل من له أدنى صلة بالعلوم الإسلامية، يعرف حجم ما قدّمه الإسلام من حماية للبيئة، ويعلم علم اليقين أن رعاية البيئة وحمايتها وإصلاحها والمحافظة عليها، ليس أمراً دخيلاً على الثقافة الإسلامية، وهو ليس من ابتكار الغرب، ولا من صنع حضارته، كما يردد المنبهرون بالغرب هنا وهناك، بل الحقيقة التي تؤكدها تعاليم ديننا أن رعاية البيئة هدف واضح للثقافة الإسلامية.

ولذلك فعلى المؤسسات الدينية في العالم العربي، الإسهام بدور ملموس في نشر الوعي المناخي، ومواجهة صور الإفساد للبيئة والإضرار بالمناخ، ويقول: «مواجهة الإفساد المناخي والتلوث البيئي مسؤولية كل المؤسسات العاملة في المجتمع، ومن واقع الشعور بهذه المسؤولية، يجب علي المؤسسات الإسلامية أن تتحرك دائماً، من خلال الندوات التثقيفية والمباردات وجهود دعاتها ووعاظها لتقوم بدورها، وتؤدي رسالتها التنويرية تجاه مشكلة كبرى تهدد البشرية كلها».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/7pb8kbw2

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"