د. عارف الشيخ
الحبس في قواميس اللغة العربية بمعنى المنع والإمساك، وفي اصطلاح الفقهاء الحبس هو منع الشخص من التصرف بنفسه، أو منعه من الخروج إلى أشغاله.
وهناك ألفاظ أخرى قريبة من لفظ الحبس، كالحَجْر مثلاً، وهو منع السفيه من التصرف في ماله، والحَصْر بمعنى منع المُحرم عن المضي في أعمال الحج، أو الوقف، وهو حبس عين وتسبيل منفعته، ويمكن أن يطلق النفي ويراد به طرد شخص أو إبعاده عن بلده.
والحبس عند الفقهاء عمل مشروع، وإن كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، لم يسجن أحداً، انظر: «تبصرة الحكام لابن فرحون» ج2 - ص216، لكن هناك من الأحاديث النبوية ما يدل على مشروعية الحبس في الإسلام، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «إذا أمسك الرجل الرجل وقتله الآخر، فيُقتل الذي قتل، ويُحبس الذي أمسك». رواه الدارقطني والبيهقي.
وورد أيضاً أن النبي، صلى الله عليه وسلم، حبس أحد رجلين من غفار اتّهما بسرقة بعيرين، وقال للآخر: اذهب فالتمس، فذهب وعاد بهما. رواه عبدالرزاق في «المصنف».
وهناك إجماع الصحابة على أن الحبس مشروع، بدليل أن الخلفاء الراشدين، وكذلك القضاة في العهود التي تلت عهد الصحابة كانوا يحبسون، ولم ينكر عليهم أحد، انظر: «المبسوط» للسرخسي ج20 - ص88 - 91، وانظر: «حاشية ابن عابدين» ج5 - ص376، و«زاد المعاد» لابن القيم ج2 - ص74، و«فتح الباري» ج5 - ص76 وج7 - ص414.
وبما أن الحبس قد يتغير شكله، فإن الفقهاء قالوا بأن بعض الحبوس من قبيل العقوبة والتعزير، وبعضها للاستيثاق، فالقسم الأول، وهو الحبس بقصد العقوبة، يكون في الأفعال والجرائم التي لم تشرع فيها الحدود من قبل الشرع.
ويتصور هذا النوع من الحبس في عدة صور، كأن يمتنع شخص من دفع الحق الذي عليه، فيحبس حتى يدفع، أو أنه ارتكب معصية فيحبس ردعاً وزجراً له، أو إذا أقر بمجهول ثم امتنع من تعيينه، أو وجد بأنه لا يصوم رمضان مثلاً، فكل هؤلاء يحبسون تعزيراً، انظر: «الفروق» للقرافي ج4 - ص79، و«الأحكام السلطانية» للماوردي ص236.
ومدة الحبس متروكة للقاضي، إلا أن بعض الفقهاء حدد أقلها بساعة أو بيوم، وأكثرها بستة أشهر أو أقل أو أكثر، والصحيح أن الأمر يرجع إلى القاضي، انظر: «إعانة الطالبين» للبكري ج4 - ص169، و«حاشية ابن عابدين» ج4 - ص67، و«حاشية الجمل على شرح المنهج» ج5 - ص164 - 165.
والحبس المؤبد مشروع في الإسلام أيضاً، فذكر الفقهاء في كتبهم أن عثمان، رضي الله عنه، حبس ضابئ بن الحارث حتى مات في سجنه، انظر: «تبصرة الحكام» ج2 - ص317.
وورد أيضاً أن علياً، رضي الله عنه، قضى على من أمسك رجلاً ليقتله آخر بأن يُحبس حتى الموت، انظر: «الطرق الحكمية» ص15، و«المحلى» لابن حزم ج10-ص512 وللحديث بقية.