رغيد جطل
أسماء الله الحسنى كلٌّ مترابط مع بعضه في المعنى؛ بمعنى أن كل اسم نفهم معناه ونعقل حقيقته، وندرك كنهه حينما نتعرف إلى الاسم الآخر، فمثلاً بعد أن تعرفنا إلى الوهاب والمعطي والكريم، أدركنا أن هذه الصفات تدل على كرم الله مع عباده، لكن هذه الأسماء ترتبط مع اسم آخر لا بد من التعرف إليه وإدراك معناه وهو اسم الله الملك؛ إذ إن الرزق والهبة والكرم والإعطاء لا بد أن يتصف من تصدر عنه بالملك، فمن لا يملك لا يستطيع أن يهب غيره شيئاً، فمن مالك الكون وملكه ومليكه والمتصرف بشوؤنه؟ إنه الله سبحانه الذي يرد إليه كل شيء.
ورد ما يدل على تصرف الله في ملكه في الدنيا والآخرة ب (الملك والمالك)، فما الفرق بين المعنيين؟ المَلك النافذ الأمر في ملكه؛ إذْ ليس كلُّ مالكٍ ينفذ أمره، فالمَلِك أعمُّ من المَالك؛ فالمالك يدل على الملك الخاص، والملك يدل على الملك العام، وربنا حينما يقول في كتابه الكريم «مالك يوم الدين»، فهناك الكثير من الناس يدعي القدرة على التحكم بالخلق في الدنيا، أما يوم الدين فلن يستطيع أحد ادعاء ذلك، فمالك ذلك اليوم والمدبر لشؤونه هو الله، جلَّ وعلا، ومهما تعدد الملاك في الكون، فالملك الخاص لجميع ذلك كله لله وحده «قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ»، آل عمران: 26، أي مهما اختلف الملك وتوزع بين الخلائق فمرد ذلك الملك كله لمالك واحد هو الله القائل «لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ»، غافر: 16.
الله، سبحانه، المالك للكون المتصرف بكل شيء، فملكه ملك مطلق، لا يعتريه نقص أو فناء، والعبد وإن أطلق عليه مالك فهذا من باب المجاز لا الحقيقة، وبناء على ذلك، فإن العبد لا يملك من أمره شيئاً، حتى جسمه وما يحتويه من سمع وبصر وفؤاد هو ملك لله، سبحانه، ومهمة العبد أن يتصرف بما تحت يده كما يريد المالك وفقاً لتعاليمه، فيفعل ما أمر، ويجتنب ما نهى، فإن هو خالف المالك في التصرف، فبدهي أن الأمرسينزع من يده، وسيؤول إلى غيره، فاسم الله الملك يعلمنا أن ندرك موقعنا في هذا الكون بأننا مستخلفون ولسنا ملاكاً، وأننا نعمل وفق المنهج الذي خطه وبينه لنا ربنا، كما يعلمنا أن من بيده تدبير أمورنا كلها هو من نخلص له العبادة ونستجيب لأوامره.
اسم الله الملك يرشدنا أننا حينما يكرمنا الله بملك شيء، فإننا نسخره في طاعة الله، ولا نتكبر على خلق الله، فنحن وهم وجميع المخلوقات نعيش في ملك الله.