عادي
ألهم عشرات الفنانين في العالم

الحج.. طاقة روحية تستكشف حنين الروح

20:25 مساء
قراءة 4 دقائق
لوحة للرسام جورج إيمانويل أوبيز

الشارقة: عثمان حسن

مثلت شعيرة الحج، بوصفه الركن الخامس من أركان الإسلام، مناسبة لاستلهامها في عدد كبير من المقاربات الفنية والتشكيلية، من قبل كثير من الرسامين العرب والعالميين، بسبب ما تنطوي عليه هذه الشعيرة المقدسة من أبعاد دينية وروحية. وكانت هذه التجارب على تنوعها وفرادتها، التقطت الكثير من التفاصيل المتعلقة بهذه الشعيرة، شكلاً ومضموناً، بين تركيز بعضها على مناسك الحج من طواف حول الكعبة، وتصوير هذا المشهد الهائل من الحشود البشرية بلباس الإحرام، إلى الأعمال التي تصور رحلة الحاج ذاتها، خاصة في عصور الإسلام المختلفة، بما فيها من مشقة وجهد، وما تشتمل عليه هذه الرحلة من تفاصيل ذات صلة بأمتعة الحاج والدواب التي تساعده على مشقة الرحلة، إلى تصوير «المحمل»، وغيرها مما يضيء على أهمية وقداسة هذه الشعيرة التي تستحق عند الحاج المسلم أقصى ما لديه من بذل مادي ومعنوي.

من الفنانين الذي استلهموا مناسك الحج، البريطاني إدريس خان الذي عرض قبل نحو خمس سنوات في لندن، عملاً فنياً يستلهم شعيرة الطواف حول الكعبة، فقدم عملاً عرضه في لندن هو عبارة عن تركيب تشكيلي مكون من مكعبات حديدية منقوشة بالعربية ومرصوصة في طبقات، والعمل بحسب رؤية الفنان يعتمد فكرة التكرار التي استلهمها من الطواف، وقد سبق لهذا الفنان أن وصف عمله بالتأكيد على سحر وقوة الطواف في تلك الحركة الدائرية التي تعكس قوة الإيمان، وتستبطن المعنى الروحي في هذه الشعيرة الوجدانية ذات القيمة الإيمانية والتعبدية عند الفرد المسلم.

  • مركز

في المعرض نفسه قدم الجزائري قادر عطية، سلسلة من اللوحات المستوحاة من شكل الكعبة، فصوّرها مركزاً لكل الأشياء، وحاول من خلال هذا العمل أن يعبر عن مكانة الكعبة في وجدان المسلمين، فالكعبة هنا، لها معنى خاص حيث يتوقف عندها المسلم، ويحاول لمسها وتقبيلها، وكله خشوع وإيمان، كأن جسده منجذب لقوة مغناطيسية هائلة هي من دون شك قوة روحية تستحق أن تعاش في تلك البقعة الطاهرة في أرض مكة.

في معرض «الحج.. رحلة في الذاكرة»، الذي افتتح في سبتمبر 2017 في أبوظبي استلهم عدد من الفنانين الإماراتيين والعرب فريضة الحج، بما فيها من بعد إيماني وركزت معظم هذه التجارب على تلك التفاصيل التي ارتبطت بذاكرة الحج من أماكن ولباس وخيام ووقوف بعرفة.

حضرت سترة الكعبة كصورة ومعنى في أعمال عدة، لفنانين سعوديين إلى جانب عدد من الفنانين الإماراتيين: محمد كاظم، وناصر نصر الله، حيث قدم كاظم حينذاك عملين عن الحج، أحدهما بعنوان «فضاء»، والثاني «اتجاهات»، نفذهما بتكليف من قِبل دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، ورصد من خلالهما صورة المكان في مكة المكرمة بوصفه يشكل فضاء تاريخياً مقدساً، وحاملاً لكثير من الرموز التي تستحضر الشعيرة الدينية وما تنطوي عليه من أفق روحي وإيماني عند المسلم.

  • رحلة

في السياق نفسه، استضافت هيئة الثقافة والفنون في دبي في يناير/ كانون الثاني 2022 معرض «رحلة» للفنانة التشكيلية الزنجبارية المقيمة في لندن، صديقة جمعة، وهي فنانة تشكيلية متخصصة في الفن الإسلامي المعاصر، حيث قدمت 10 لوحات فنية معاصرة، تستكشف رحلة أداء مناسك الحج، التي سحرها مشهد ملايين المصلين الذين يطوفون حول الكعبة، مشبهة هذا المشهد بحال النجوم في المجرة، وذلك الإسطرلاب الذي يوجه المؤمنين إلى مكة لأداء صلاتهم اليومية.

ومن اللوحات العالمية التي سبق وقدمها فنانون عالميون وتستوحي مناسك الحاج، حيث تتصدر لوحاتهم كبريات المتاحف العالمية، الفنان الفرنسي ليون أوغست أدولف بيلي (1827-1877)، ولوحته الشهيرة «حجيج في طريقهم إلى مكة» 1861 واللوحة موجودة في متحف «أورسيه» بفرنسا، واستحق الفنان عليها ميدالية من الدرجة الأولى بسبب جمال وضخامة العمل.

واللوحة مصنفة ضمن التحف الفنية في قوائم الاستشراق، وهيتصور قافلة طويلة من الحجاج تعبر الصحراء، وتشق طريقها نحو مكة، ويظهر في اللوحة من جهة اليمين 3 أشخاص، رجل يمشي بجانبه امرأة وطفلها على حمار.

وهناك لوحة أخرى للفنان والمستشرق الألماني جورج إيمانويل أوبيز (1775- 1841) وهي بعنوان «وصول المحمل إلى مكة»، وأنجزها في عام 1805، واللوحة تكتنز بالكثير من الرموز الإيمانية والروحية.

في هذه اللوحة قدم إيمانويل مشهداً أثيراً، في قافلة تضم العديد من الحجاج الذين قدموا من بلدان إسلامية كثيرة، حيث نلمس تعدداً في الأعراق والألوان في مشهدية ساحرة تدل على عمق الإيمان، وفرادة الإسلام، وسماحته، وسعته لجميع البشر.

ومن اللوحات أيضاً واحدة للفنان النمساوي لودفيغ دويتش (1855-1935)، بعنوان «موكب المحمل في شوارع القاهرة» ورسمها في 1909، حيث عرف عن لودفيغ اهتمامه بحياة العرب والمسلمين في دول الشرق الإسلامي.. واللوحة كسابقتيها من حيث مضمونها الروحي البعيد، غير أنها تصور الحجاج بملابس الإحرام، وهم يحيطون ب«المحمل» والمحمل هو صندوق خشبي مغطى بنسيج مزخرف بشكل جميل، يستقر، بل يتوازن على جمل مزخرف، والزخرفة للجمل كناية عن تدليله، والمنظر بشكل عام، وبما يشتمل عليه من زينة وألوان وأبخرة، إنما يعبر عن طقسية مباركة، يقبل عليها المسلم تعبيرا عن ابتهاجه بمناسبة الحج وما فيها من خير عميم أما الحجيج في اللوحة، فيلوحون بأيديهم مبتهجين بهذه الرحلة التي تشق طريقها في الصحراء وجهة الأراضي المقدسة حيث مكة المكرمة.

أما الرسام البريطاني هنري وارن (1794 – 1879) فله لوحة بعنوان «عودة الحجاج من مكة» وأنجزها في 1848، وكانت اللوحة معروضة في متحف لندن حتى عام 1976. وتصور هذه اللوحة مجموعة كبيرة من الحجيج في واحة يستريحون من وعثاء السفر، وتحسب اللوحة أيضاً ضمن قوائم الاستشراق وفيها يتوسط المحمل على الجمل، كما تظهر في اللوحة دواب لزوم استخدامها في النقل، في إشارة إلى انتهاء مناسك الحج وعودة الحجيج إلى ديارهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/26dvn3zw

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"