عادي
الأزواج يستخدمون الأطفال للضغط والانتقام

الطلاق.. قرار للآباء والأمهات يدمر حياة الأبناء

01:29 صباحا
قراءة 7 دقائق
2

تحقيق: أمير السني

يتسبب الطلاق في إحداث تحول هائل في حياة كل فرد من أفراد الأسرة، لكن إذا كان الأب والأم لديهما القدرة على ترتيب أمورهما المعيشية بعد الانفصال عن شريك الحياة، إلا أن الأبناء هم الضحايا وأكثر الخاسرين، حتى وإن استمتعوا بالاستقرار مع أحد الوالدين، فقد تعرضوا بالفعل لصدمة الطلاق والتفكك الأسري. وفي بعض الحالات يلجأ الأب أو الأم لاستخدام الأبناء وسيلة للضغط على الآخر، وهو ما كشفه قانونيون ل «الخليج» في هذا التحقيق عبر أمثلة كثيرة، ما يشكّل تأثيراً سلبياً في سلوك الأبناء وبناء شخصياتهم، لذا دعا خبراء علم الاجتماع إلى إيجاد حلول وسبل لتخفيف صدمة الانفصال عن الأبناء وإبعادهم عن الأزمة.

حدد متخصصون في القانون وعلم الاجتماع، الأسباب والآثار المترتبة على الطلاق للأبناء، وشددوا على عدم استخدامهم وسائل ضغط بين الطرفين لكسب المزيد من الفوائد في حال اللجوء إلى المحاكم.

1
المحامي عبدالله بن حاتم

قال المحامي عبدالله بن حاتم، إن بعض الأزواج حينما يقع الطلاق، يستخدمون أبناءهم وسيلة للانتقام من بعضهما بعضاً، وفرض إرادة أحدهما على الآخر وممارسة الضغوط الأسرية، وذلك لتقوية الحجة أمام المحاكم، كي ينتزع أحد الأطراف حضانة الأولاد.

وأضاف أنه لا توجد حياة زوجية خالية من الخلافات، لكن هناك حياة يستطيع طرفيها التغلب على كل الخلافات والعقبات التي تواجههما، كما أن غياب التفاهم بين الزوجين يشكّل عاملاً رئيسياً في الخلافات بينهما، وتعد أنانية طرفي الحياة الزوجية أو أحدهما، من أسباب استمرار هذه الخلافات، في ظل غياب لغة التواصل التي تعد روح الحياة الزوجية.

وأوضح أن تدخل الآخرين في كل كبيرة وصغيرة تتعلق بمشاكل الزوجين، يؤدي إلى استمرار الخلافات وليس حلها، كما أن الإنفاق والهجر والضرب والإهانة والسباب، تحول القضايا الأسرية إلى قضايا جزائية بين الأطراف.

واستشهد المحامي بأحد الأمثلة التي مرت عليه في أروقة المحاكم، وقال إنه في قضية ما ذهبت الأم بأبنائها إلى إماره أخرى ومنعتهم من الدخول إلى مقاعد الدراسة، بسبب خلافات بينها وبين الزوج. وحث القانون رقم 3 لسنة 2016، بشأن قانون حقوق الطفل «وديمة»، حيث أكدت المادة 31، أن لكل طفل الحق في التعليم، كما تعمل الدولة على تحقيق تساوي الفرص المتاحة بين جميع الأطفال وفقاً للقوانين السارية.

وأوضح أن المادة 35 من القانون تحظر على القائم على رعاية الطفل تعريضه للنبذ أو التشرد أو الإهمال أو اعتياد تركه دون رقابة أو متابعة أو التخلي عن إرشاده وتوجيهه أو عدم القيام على شؤونه أو عدم إلحاقه بإحدى المؤسسات التعليمية أو تركه في حالة انقطاعه عن التعليم بدون موجب خلال مرحلة التعليم الإلزامي، حيث نصت عقوبة المخالفين على الحبس والغرامة التي لا تقل عن (5.000) خمسة آلاف درهم.

5
يوسف البحر المحامي

حقوق

يقول المحامي يوسف البحر، أن القوانين الإماراتية، حفظت حقوق الطفل في كافة الظروف، وإن إهمال الحاضن له جرم تصل عقوبته إلى الحبس أو الغرامة وفق قانون الطفل «وديمة»، حيث حرصت دولة الإمارات على الاهتمام بالطفولة بالعديد من القوانين التي تحفظ حقوقهم في كافة الظروف الحياتية التي يعيشونها، سواء خلال عيشهم في كنف والديهم أو في حالات الطلاق والفراق وحصول أحد الزوجين أو غيرهما على حق الحضانة.

وأوضح أن القوانين جاءت لتمنع إهمال الطفل، ولهذا أقر المُشرع الإماراتي القانون الاتحادي رقم 3 لسنة 2016 بشأن قانون حقوق الطفل، والذي وضع 75 مادة قانونية تنص على كافة الحقوق الواجب ضمانها للطفل، ولعل أبرزها التعليم والصحة والحماية وغير ذلك من الحقوق والواجبات لضمان أن ينمو الطفل في بيئة سليمة في كافة الظروف.

وتناول القانون ما قد يتعرض له الطفل من إهمال جراء الخلافات الزوجية أو الطلاق أو حتى من قبل الحاضن، ووضع تعريفاً واضحاً للإهمال، حيث ذكر أن «عدم قيام الوالدين أو القائم على رعاية الطفل باتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على حياته وسلامته البدنية والنفسية والعقلية والأخلاقية من الخطر، وحماية حقوقه المختلفة».

مسؤوليات

نصت المادة 15 من القانون على أنه يلتزم والدا الطفل أو من في حكمهما، والقائم على رعاية الطفل، بتوفير متطلبات الأمان الأسري للطفل في كنف أسرة متماسكة ومتضامنة، ويلتزم القائم على رعاية الطفل بتحمل المسؤوليات والواجبات المنوطة به في تربية الطفل ورعايته وتوجيهه وإرشاده ونمائه على الوجه الأفضل.

وهذا يعني أن تعريض حياة الطفل للخطر مُجرم قانوناً، وبنص المادة 34 من القانون ذاته والتي تنص على: «يحظر تعريض سلامة الطفل العقلية أو النفسية أو البدنية أو الأخلاقية للخطر سواء بتخلي القائم على رعايته عنه أو تركه بمكان أو ومؤسسة رعاية بدون موجب، أو رفض قبول الطفل من القائم على رعايته، أو الامتناع عن مداواته والقيام على شؤونه».

وبموجب هذا القانون، فإن الإهمال وتعريض حياة الطفل للخطر سيقود المسؤول عن رعايته أو الحاضن إلى أن يكون تحت طائلة المسؤولية القانونية، والتي تصل عقوبتها بموجب القانون ذاته إلى الحبس أو الغرامة المالية.

وإلى جانب هذا القانون التخصصي، فإنه في حال تعريض حياة الطفل للخطر أو حدوث أي جريمة بحقه، فإن المرسوم بقانون الجرائم والعقوبات رقم 63 لسنة 2022 وضع عقوبات مشددة في هذا الشأن حسب كل حالة ومقتضياتها وملابساتها، لذلك فإن القوانين الإماراتية جاءت حافظة للطفل وضامنة لحقوقه في كافة الظروف والمعطيات التي يعيشها سواء في كنف أسرة أو في حال فراق الزوجين.

1
همسة يونس

واجبات

المستشارة الأسرية والمرشدة المجتمعية همسة يونس، توضح أن الطلاق مهما كانت أسبابه، يتوجب على الوالدين أن يوليا اهتماماً كبيراً لتهيئة الأبناء نفسياً قبل وبعد وقوعه، فما يراه الوالدان مصدر راحة نفسية بعد الطلاق قد يكون للطفل مصدر ألم وخوف وقلق للأبناء.

وأشارت إلى أن هناك آباء وأمهات يستسهلون فكرة الطلاق، متناسين أن الإقدام على هذه الخطوة يترتب عليها العديد من العواقب، أهمها دفع الأطفال ثمن الطلاق من خلال عدم تهيئة الأطفال نفسياً في مرحلة ما قبل الطلاق، ثم إعادة تأهيلهم نفسياً واجتماعياً بعد الطلاق لأنه ينعكس سلباً على مستوى تقدير الذات، إضافة إلى زعزعة مشاعر الأمان لديهم ما يترتب عليه الكثير من المشكلات النفسية والسلوكية والاجتماعية التي تعطل قدرة الطفل على تقبل ذاته والاندماج الإيجابي في مجتمعه.

وأوضحت أن الطلاق يمنح الابن صورة نمطية سلبية عن العلاقات الاجتماعية يبني عليها علاقاته المستقبلية سواء في إطار الأصدقاء أو شريك الحياة، ما يؤثر بشكل سلبي في الصحة النفسية له، كما يتضخم بداخله حجم الشعور بالذنب تجاه انفصال والديه، وقد يلجأ لمعاقبة نفسه من خلال إهمال دروسه وتراجع مستوى تحصيله الدراسي أو من خلال الامتناع عن تناول الطعام، إضافة إلى افتعال الكثير من المشكلات السلوكية سواء داخل البيت أو المدرسة لتتم معاقبته.

1
نجاح عثمان

تباينات

الأخصائية الاجتماعية نجاح عثمان، تشير إلى أن الطلاق ينتج عنه تأثيرات متباينة تختلف من ابن لآخر، حسب طبيعته ونُضجه، اعتماداً على عمره وطريقة انفصال الوالدين ودورهم في زيادة تقبّله لهذا القرار وشعوره بالارتياح بعده، وهنالك آثار سلبية للطلاق على الأبناء منها التأثير النفسي والعاطفي والشعور بالتشتت بين الوالدين، كونه لا يستطيع الاختيار بينهما ويريدهما معاً.

أما من ناحية التأثير الاجتماعي، تقول نجاح عثمان إنه يحدث ضعف اتصال لدى الأبناء من خلال عجزهم عن التفاعل مع والديهم، ومع الأفراد الآخرين المحيطين بهم بسبب المشاعر السلبية التي يحملها البعض لهؤلاء الأبناء بعد معرفتهم بأنهم يعيشون ضمن أسرة منفصلة.

وأضافت أن الدراسات النفسية التي أجريت على عدد من الأزواج بالولايات المتحدة الأمريكية، أظهرت التأثير في علاقات الأبناء المستقبليّة والتي أوضحت أن الأبناء الذين نشأوا في ظروف الطلاق تكون علاقاتهم الزوجية لاحقاً أكثر عرضة للطلاق أيضاً، ويُمكن أن يكون السبب في ذلك انعدام الثقة والأمان في الشركاء لديهم، إضافة إلى افتقارهم لبعض المهارات الاجتماعيّة المكتسبة من الأسرة.

ولا بد من ذكر أن إحساس الأبوين بالذنب والتقصير اتجاه أطفالهم بعد قرار الانفصال يسبب الإفراط في الدلال وعدم التوازن والحكمة في التعامل معهم، ما يؤدي إلى عدم اكتساب الأطفال للمهارات الحياتية السليمة ويصبح كل طرف من الوالدين ينافس الآخر في العطاء والدلال لكسب الأطفال بطريقة سلبية؛ كذلك نشوء الأطفال مع العائلة الكبيرة سواء أهل الأب أو أهل الأم يؤثر سلبا في تربية الأطفال؛ إذ تتعدد أنواع السلطة والتخبط في التربية.

حلول

تضع نجاح عثمان، عدداً من الحلول المهمة التي تسهم في وقاية الأطفال من الآثار الناجمة عن الطلاق، حيث تدعو إلى ضرورة دعم الأطفال في مثل هذه الظروف الصعبة، وأن يشعروا بالمحبة والاهتمام من قبل الوالدين والأسرة والمجتمع المحيط بهم.

ويمكن للمشورة والدعم النفسي أن تكون مفيدة للأطفال لمساعدتهم على التأقلم مع الطلاق والتعامل مع المشاعر الصعبة التي يواجهونها، علاوة على ذلك، يجب أن يعمل الوالدان على الحفاظ على بيئة ثابتة ومستقرة للأطفال بعد الطلاق، بحيث يشمل ذلك تعزيز التواصل الجيد بين الوالدين.

ضغوط

تشير همسة يونس، إلى أن الطفل من الوارد جداً أن يرفض تقبل فكرة غياب الأب أو الأم، ويظل في حالة ترقب وانتظار وربما يحبس نفسه في عالم أحلام اليقظة كنوع من أنواع الحيل الدفاعية النفسية ليحمي نفسه من الألم ويخفف من الضغط النفسي الواقع عليه جراء تراكم مشاعر الخوف والخذلان وعدم الإحساس بالأمان.

وأشارت إلى أن تفكير الطفل يصبح مشوشاً وينعكس ذلك على مشاعره لاضطراره العيش ما بين بيتين، وعلى الرغم من أن الوالدين قد يوفران كل ما يسهم في تقديم الدعم النفسي للطفل بعد الطلاق، فإن ذلك لا يلغي حجم الألم النفسي الذي يعيشه بسبب الطلاق حتى وإن كان الطلاق قد أنهى حالة الخلافات الزوجية والأسرية المتواصلة بين الوالدين.

وهناك دوامة أخرى من المشكلات النفسية للأبناء تظهر على السطح عندما يتزوج أحد الوالدين بعد الطلاق، حيث يسيطر عليه الشعور بالغيرة من الشريك الجديد للأم أو الأب، أو عدم تقبل الشريك، ورفض الأخوة الذين ينجبهم الوالدان من الشريك الجديد، وهو ما ينعكس سلباً على الاستقرار النفسي للطفل، وبالتالي على مشاعره وسلوكياته.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yrrukh78

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"