عادي

«سهرة مع الأرق».. استعادة لسير المهمشين

00:11 صباحا
قراءة 5 دقائق
صالح كرامة

الشارقة: علاء الدين محمود

لعل من أكثر القواسم والنواظم المشتركة في السرد الإماراتي من رواية وقصة وغيرها من أنماط إبداعية سردية هو ذلك الحنين الجارف نحو المكان، والرصد العاطفي البديع للتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تكاد تسلب من المكان روحه، وعلى الرغم من التطور الكبير الذي تشهده الإمارات في كافة المجالات، إلا أن الأديب الإماراتي مازال يلتفت بقلبه ووجدانه إلى تلك المعالم والأماكن التي تعلقت بها روحه، ليحول كل ذلك إلى نتاج سردي معطر بعبق المكان.

كتاب «سهرة مع الأرق»، للقاص والكاتب المسرحي صالح كرامة، الصادر في طبعته الأولى عام 2003، عن منشورات اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات.

الكتاب يتألف من مجموعة قصصية، تتناول عدة مواضيع وقضايا، ولعل الثيمة الأساسية في هذه المجموعة هو ذلك الانحياز الطبيعي للمثقف تجاه البسطاء والفقراء في المجتمع، حيث إن الكتابة تعبّر عنهم وتنتمي إليهم، ونلمح فيها تلك المواجهة التي تعقدها معظم القصص مع السلطة الاجتماعية والتصورات السائدة والكثير من العادات والتقاليد البالية، ولكن المؤلف لا يفعل ذلك بصورة مباشرة أو فجّة بل يعزز من أطروحاته الفكرية بروافع جمالية مع اهتمام كبير بتقنيات السرد وتكوين وتشكيل الشخوص بحيث يتورط القارئ في علاقة معهم، إضافة إلى البراعة في صناعة حكاية مشوقة وممتعة، فالكاتب يبث رؤاه الفكرية والفلسفية بطريقة لا تخدش شروط الكتابة السردية، فيتعانق الجمال مع الإبداع في تلك القصص، ولئن كان البسطاء والبؤساء هم العنوان العريض لكتابات كرامة على العموم، فإن سيرة المكان تبدو واضحة بصورة كبيرة في قصص هذه المجموعة، خاصة مدينة أبوظبي والحي القديم الذي نشأ وترعرع فيه، وبصورة أكثر خصوصية الحي القديم، حيث يتكئ الكاتب على ذاكرة الطفولة لينسج تفاصيل قصص ملونة بأصباغ العفوية وطيبة أهل ذلك الزمان، فتراه يرصد التفاصيل الصغيرة والكبيرة ليصنع منها صوراً ومشهديات تجعل القارئ يعايش واقع ذلك الزمان القريب بعدد سنواته، البعيد بحساب التحولات الكبيرة في الواقع الإماراتي، وفي العالم ككل بفضل التكنولوجيا وثورة المعلوماتية.

الجمال والمعنى

الكتاب وجد الكثير من الاهتمام والقبول حيث تم تناوله نقدياً، وهو من المؤلفات التي تمنح المتلقي فكرة كبيرة عن أساليب وطرق اشتغال صالح كرامة على الكتابة القصصية والمسرحية باعتباره واحداً من أهم المؤلفين الإماراتيين الذين طرقوا تلك الأنماط الإبداعية؛ ونقصد بها كتابة القصة والنص المسرحي معاً، بل إن العديد من القصص تحولت إلى نصوص مسرحية، فالمهم عند الكاتب هو الكتابة نفسها ذلك التجلي العميق الذي يمارسه المؤلف من أجل الوصول إلى المعنى عبر بوابات الجمال، وقد أشار بعض النقاد إلى مقدرة الكاتب على الاختزال والتكثيف والتعبير عن معانٍ وقيم كبيرة منفتحة على الإنسانية جمعاء بأقل عدد من الكلمات في المجموعة، إذ إن ما يميز المؤلف هو ذلك الشغف الكبير بقضايا العالم والإنسانية، فذلك الاهتمام بالمجتمع الصغير قاد الكاتب إلى الانفتاح نحو آفاق مختلفة حول العالم.

عنوان مختلف

ولعل اللافت الأول في هذا الكتاب هو عنوانه، «سهرة مع الأرق»، وهو مأخوذ من إحدى قصص المجموعة، وكأن الكاتب قد قرر منذ البدء لا أن يفاجئ القارئ فقط، بل كذلك أن ينال كل اهتمامه، بداية بهذا العنوان المختلف، والذي هو عتبة نصية مهمة لسبر أغوار مواضيع الكتاب، أو أخذ فكرة أولية عنه، فلئن كانت المهمة الأساسية للعنوان هي التعبير عن فضاء وأجواء وموضوع القصة، فإن بعض العناوين، على العكس من ذلك، تمارس فعل المراوغة، وكأنها تريد أن تصبح نصاً قائماً بذاته، أو على الأقل شيئاً ليس سهل المنال، فقد اختار الكاتب أن يسهر مع الأرق، وليس السعادة، أو أي شيء احتفالي، وهو أمر غريب، ولعل أول ما يحيلنا إليه التدبر في تلك الشهرة الغريبة، أن الكاتب قد جفاه المنام، بالتالي فإن السهر هنا ليس بإرادة الكاتب، بل نتيجة ذلك الأرق الذي يقض مضجعه، ولكنه قرر من يستفيد من تلك السهرة الإجبارية في تطوير رؤى وأفكار وإبداعات، حيث إن أرق الكاتب يعني انشغاله الكامل بقضية ما، واهتمامه بها، ولعل جمال العنوان ليس فقط في تلك اللفتة الشاعرية فيه، بل وفي ما يعنيه كذلك، حيث إن أمر انشغال الكاتب بما حوله من قضايا إنسانية واجتماعية، وترجمته إلى كتابة إبداعية فيه الكثير من الكبد والعناء الشديد، ولعل تصميم الكتاب، من خلال الصورة المصاحبة له، لم ترتق إلى قيمة العنوان ومعانيه.

جاء الكتاب في 135 صفحة من الحجم الصغير، ويشتمل على 12 قصة هي: «سهرة مع الأرق»، «نافذة على القمر»، «حلم الرابية»، «بعد فوات الأوان»، «بث حي»، «سنة حلوة»، «سقف»، «سطو»، «تسلية»، «يوم من عمر الفرح»، «التين الشوكي»، و«المعتوه»، ونلاحظ في العديد من العناوين تلك العطرية الشاعرية في اختيار مفردات العنوان، كما يلاحظ القارئ أن الكاتب يعتمد تقنية الاختزال في وضع العناوين التي تتكون في معظمها من كلمة أو كلمتين، ويجد القارئ في العديد من تلك القصص حضوراً للبيئة الإماراتية ومفرداتها خاصة البحر الذي نشأ الكاتب بقربه واستمع إلى قصصه التي تحملها الأمواج، كما يجد المتلقي مشاعر الشوق والحنين والإحساس بالوحدة والفقد والغياب وغيرها من مفردات الحزن الذي يخيم على الكثير من تلك القصص، لكن للكاتب مقدرة في تمرير العوالم الثقيلة عبر أدوات وتقنيات وأساليب متعددة، بحيث تصبح القصة جاذبة ومشوقة، حيث إن للمؤلف خبرته الطويلة مع الكتابة، وهو الأمر الذي يتجلّى بصورة أكثر وضوحاً في صناعة شخصيات غريبة، يضع لها الكاتب أبعادها النفسية المعقدة في عالم مضطرب ومتشظٍّ، الأمر الذي يلقي بظلاله على الفرد، حيث معظم شخصيات المؤلف تشعر بالغربة وحمل عبء مواجهة العالم.

عالم المهمشين

عالم المهمّشين الذي ينحاز إليه الكاتب يكاد يطغى على جميع قصص المجموعة، ومن ضمنها قصة «سقف»، حيث يطل الكاتب على العالم الحديث والمتغيرات التي طرأت وسيادة ثقافة الاستهلاك في المدن، حيث تسود حياة الترف، إلا أن هنالك أقبية وعوالم خلفية يعيش فيها البؤساء والمهمّشون الذين يقبعون في أدنى درجات السلم الاجتماعي، والمدينة التي يعنيها الكاتب هي كل مدن العالم الحديث التي يعيش تحت سقفها بشر متفاوتون اجتماعياً من حيث الغنى والفقر، والبؤس والسعادة، وينسج الكاتب من خلال هذه الثنائيات تفاصيل قصته التي تركز على الأفراد المهمّشين ككائنات تسير وحيدة وتحاول أن تجد مكاناً في عالم كادت أن تنعدم فيه الرحمة، وتموت فيه قيمة التواصل والمحبة.

الناشر: اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/48t2b5a7

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"