عادي
ملحمة روائية تبحث في مصير البشر

«الساعة الخامسة والعشرون».. رؤية مأساوية للغرب

23:57 مساء
قراءة 3 دقائق
غلاف الرواية

القاهرة: الخليج
صدرت رواية «الساعة الخامسة والعشرون» للكاتب الروماني قسطنطين جيورجيو (15 سبتمبر 1916 – 22 يونيو 1992) (ترجمة فائز كم نقش)، وعلى غلافها عبارة تقول: «الرواية التي منعت في أوروبا كلها حتى سنة 1949»، وبتقديم عبد الله إبراهيم الذي يؤكد أن كثيراً من الروايات يتلاشى حضوره من الذاكرة بمرور الأيام، وتصبح استعادة أجوائه صعبة، وربما شبه مستحيلة، وقليل منها يدمغ الذاكرة بختمه الأبدي، ومن ذلك القليل النادر رواية «الساعة الخامسة والعشرون» لأنها تراهن على فرضيتها منذ البداية.

الرواية تمتثل لأساليب الكتابة الكلاسيكية بمشاهدها السردية الطويلة، وحواراتها المستفيضة المفعمة بالمشاعر الإنسانية الأصيلة، وبتنامي الأحداث تباعاً دونما ثغرة، أو فراغ، وبذلك تتجنب أية حذلقة من تلك التي يسعى إليها كثير من الكتاب، جهلاً بمعايير الكتابة الأصيلة، فما إن يشرع القارئ في قراءتها حتى ينزلق إلى عالمها الافتراضي، فيتعذر عليه مغادرته، لأن علاقاته بالشخصيات تأسست على قاعدة من المشاركة والمصاحبة في كل شيء.

قضية مركبة

تقترح الرواية قضية أخلاقية مركّبة لها صلة بالدين، والمصير، والهوية، والحرية، والاستعباد والمنفى، فتربطها بالأيديولوجيات المتطرفة التي تعجز عن الاعتراف بالذات البشرية، فتلجأ إلى إعادة إنتاج الإنسان، باعتباره عدواً يهدد سلامة الجماعة، وبذلك تبيح لنفسها الفتك بأية وسيلة تتوفر عليها، وتخترق الرواية بأجمعها، وتخيم عليها نبرة مأساوية تتبطّن شخصياتها الأساسية فلا تنفك تتقبل الأذى، سعياً لبراءة، فتنتهي إلى الاعتراف بأنها غير قادرة على مواجهة عالم جعل من الشر ركناً أساسياً من أركانه، فانحسر الخير وتوارى، ولم يعد إلا ذكرى حبيسة في القلوب التي أنهكها التعذيب، والترحيل.

تتجلى في الرواية أصداء الملاحم الكبرى، والتراجيديات الإغريقية، والمآسي الشكسبيرية، ومجمل الأعمال التي انصب اهتمامها على مصير الإنسان، فكل ذلك يصلح أن يشكل خلفية لقراءة الرواية التي تنتسب إلى سلالة الآداب الرفيعة الخالدة.

تضمنت الرواية تركيباً سردياً متداخلاً يندرج ضمن ما يصطلح عليه بالسرد الكثيف، وفيه يقوم تريان كوروغا بكتابة رواية بعنوان «الساعة الخامسة والعشرون»، عن مخاطر الحياة الغربية الحديثة التي اتجهت إلى قهر الإنسان باسم الحداثة، وقد انتقى شخصيات روايته من معارفه، ومن أقاربه، ثم راح يتعقب مصيرها في ظل وقائع الحرب العالمية الثانية، حيث التمييز قائم بين الناس على أساس الدين، والعرق، والأيديولوجيا، وما «الساعة الخامسة والعشرون» إلا تلك الساعة، التي يتعذر فيها على الإنسان النجاة بحياته من هلاك مؤكد، هي «اللحظة التي تكون فيها كل محاولة للإنقاذ عديمة الجدوى، إنها ليست الساعة الأخيرة، بل هي ساعة ما بعد الساعة الأخيرة، ساعة المجتمع الغربي، إنها الساعة الراهنة، الساعة الثابتة المضبوطة».

عالم مذهل

نجحت رواية «الساعة الخامسة والعشرون» في بناء عالم افتراضي مذهل في سعته، وكابوسيته، فقد تحركت الشخصيات بين الأرياف والمعسكرات، وبين القرى والمدن، وبين القصور والمعتقلات، وبين الكنائس والبيوت، وترحّلت في دول كثيرة مجبرة، دونما أمل في النجاة، وانقلبت مصائرها رأساً على عقب، وتقلبت بها الأحوال بين الكرامة، والإذلال، والأمل، واليأس، والفقر، والثراء، والصحة، والمرض، والمقاومة، والاستسلام، وتضاربت أحلامها مع واقعها المرير، وانتهت على نهايات تقشعر لها الأبدان.

تشابكت أحداث الرواية وشخصياتها بأسلوب يذكّر بالملاحم الكبرى، وهي تنتقل من حال إلى نقيضه، إذ يتحول الضحايا إلى جلادين، فالكاتب يطرح رؤية مأساوية للعالم الغربي، ويرى أن وعود الخير ستنبثق في الشرق، ولعل أشد ما يؤلم القارئ هو ذلك الأذى المطرد الذي تتعرض له الشخصيات، فلا يقف عند حد، ولا ينتهي إلا ليدشن لأذى جديد، يفتح أفقاً لضروب أخرى من الأذى.

بداية ونهاية

تفتتح مشاهد الرواية بأرياف ومراع، وتنتهي بمعتقلات وسجون، وقد استسلمت شخصياتها لمصائر تقررها قوى لا ظهور لها في عالم الرواية المتخيل، وقد أصبح المسؤولون عن تنفيذ الأحكام أدوات بيد أشخاص لا ظهور لهم فيها، حيث تعاقبت الشخصيات ببرود، ويحكم عليها بالسجن، أو الموت، دونما تردد، فالمجتمع الشمولي لا يعنى بهوية الفرد، إنما ينظر إليه باعتباره كائناً مبهماً في ولائه، أو عدائه.

يقول عبد الله إبراهيم في تقديمه للرواية إنها تركت في نفسه أثراً بالغاً، وبلغت قسوة كثير من فقراتها حداً «أجبرني على التوقف عن القراءة، ومواصلتها، بعد أن أتغلب على حال الانفعال التي كانت تغمرني، لم تنبع القسوة من صرامة فعل عدواني يمارسه عدو مهووس، إنما من حالة استسلام الأفراد لقواعد متوحشة في التعامل أنشأتها نظم شمولية ثلمت السوية الطبيعية عند الإنسان».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4v6rb2ua

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"