عادي

الكلمة أمانة

23:36 مساء
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل

عندما وجدت بألفية ابن مالك بيتاً يقول: واحِدُهُ كَلِمَةٌ والقولُ عَمّ.. وكَلْمَةٌ بها كَلامٌ قد يُؤَمْ، استغربت بأن توصف الكلمة الواحدة المكونة من حروف بسيطة بأنها كلام شامل لأمور كثيرة، لكن حينما ربطت هذا التعريف مع ما جاء في كتاب الله وأحاديث النبي، أدركت أهمية الكلمة وخطورتها، فالكلمة قد ترفع صاحبها إلى أعلى عليين، وقد تنزل به في أسفل سافلين، أليست (لا إله) كلمة تورد صاحبها النار؟ وفي الوقت عينه أليست (إلا الله) كلمة تنقل صاحبها من الظلمات إلى النور؟

بالكلمة يبني الإنسان بيتاً وينشئ أسرة، ويهدم بنيانه كذلك بكلمة، ويعانق الجنة بكلمة، ويسقط في حضيض النار بكلمة، (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ* وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) إبراهيم: 24-26، ولرحمة الله بنا، نبهنا إلى عظم خطر الكلمة، وأن ما نقوله سيُكتب (وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين) الانفطار: 1011، وكذا جاءت الأحاديث الشريفة، لتؤكد أهمية الكلمة، فقد ورد (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت، فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم القيامة)، فالكلمة قد تهوي بصاحبها في نار جهنم، وفي الحديث (وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم) كما أنها سبب لإفلاس العبد من الحسنات يوم القيامة، فالسب والقذف واللعن والبهتان، كلمات تذهب حسنات صاحبها، ومن غريب الأمور أن هناك من يتكلم على شخص آخر، مستغلاً عدم وجوده ثم يدعو الله بألا يجعل ما تفوه به من كلمات غيبة، كقوله (اللهم لا تجعل كلامنا الذي قلناه على فلان غيبة) وهنا يرد سؤال ما نقوله لن يطير في الهواء، فهو إما أن يكون من كلام الخير فيسجل حسنات، وإما من كلام الشر فيسجل سيئات، فإن كان كلامنا على الآخرين لن يسجل غيبة فماذا يسجل إذاً؟!

كما أن هناك من إذا جلس مجلساً ووجد الناس يخوضون في أعراض الآخرين، خاض في الحديث معهم، فإن انتقلوا إلى شخص آخر شاركهم الحديث، وأمثال هؤلاء يوم القيامة يقولون عن سبب ورودهم سقر (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ) المدثر: 45، كما نبه النبي إلى خطر كثرة الكلام فقال: (كَفَى بالمرءِ كذِباً أن يحدِّثَ بِكُلِّ ما سمِعَ) فالمسلم يتأكد من الكلمة قبل أن يتحدث بها، ولا يخوض في ما لا يعرف، فكلماته أمانة سيسأله الله عنها، وإن كان في كلامه ما يسبب إساءة للآخرين فليعمل بوصية النبي (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mwmedjnp

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"