عادي
قرأت لك

السرد الإماراتي يغوص في «قضايا المرأة»

00:28 صباحا
قراءة 4 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود

كتاب «قضايا المرأة في الرواية الإماراتية»، للدكتورة هند المشموم، الصادر في طبعته الأولى عام 2019، عن دائرة الثقافة في الشارقة، هو واحد من المؤلفات المهمة التي وجدت صدى جيداً؛ كونه يتناول قضايا المرأة في الأدب الإماراتي، وبصفة أكثر خصوصية في الرواية، خاصة أن فن السرد صار يستقطب حتى الأدباء في الأنماط الإبداعية الأخرى، فصارت الرواية تلقب ب«ديوان العرب الجديد»؛ وذلك يشير إلى مكانتها وسط القرّاء.

هذا الكتاب يغوص في تلك المؤلفات السردية التي تناولت شواغل النساء في الإمارات، وتميز بالدقة والشمول.

ظلت قضية أو قضايا المرأة حاضرة بقوة في الأدب الإماراتي بكل صنوفه وأنماطه، غير أنه يأخذ شكلاً مختلفاً في السرد والرواية على وجه الخصوص؛ وذلك بسبب توجه نسبة كبيرة من القرّاء وبصورة خاصة نحو الرواية، كونها الفن الذي يرصد الواقع ومتغيرات المجتمع بطريقة دقيقة، وهنالك الكثير من الأعمال السردية الإماراتية التي تناولت المرأة في همومها وشواغلها وتوقها لكي تثبت مكانتها في المجتمع.

جاء الكتاب في 260 صفحة من القطع الكبير، ويتميز بالتنوع في المصادر والمؤلفات التي تناولتها الكاتبة التي عملت على عرض 7 أعمال سردية لكتّاب إماراتيين، تحليلاً وتفسيراً ومناقشة وبحثاً من أجل استجلاء القضايا التي تخص المرأة الإماراتية، ولعل تلك الروايات التي تصدت لها المؤلفة هي من بين الأعمال السردية المهمة في الإمارات والتي كتبت في أوقات متفاوتة؛ وهي: رواية «تثاؤب الأنامل» للكاتبة رحاب الكيلاني، رواية «عيناك يا حمدة» لآمنة المنصوري، و«شاهندة» لراشد محمد، والتي صدرت عام 1973، رواية «طوي بخيتة» للروائية مريم الغفلي، رواية «مزون» للكاتب محمد عبيد غباش، و«رائحة الزنجبيل» للكاتبة صالحة غابش، ورواية «عندما تطمح المرأة ويغضب الرجل» لسلطان الزعابي.

يشتمل الكتاب على مقدمة و«المدخل التمهيدي: المفاهيم الأساسية والنشأة» ويناقش هذا المدخل (مفهوم القضية، ومفهوم المرأة والواقع الثقافي، ونشأة الرواية الإماراتية وتطورها، وآليات الأدب النسوي وإشكالياته)، ويتضمن الكتاب 4 أبواب مقسمة لفصول؛ حيث جاء الباب الأول بعنوان «المرأة وقضية الذات في الرواية الإماراتية»، ويعالج الفصل الأول في هذا الباب مسألة «المرأة والذات وثنائية القيد والحرية»؛ وذلك بالاستناد على رواية «تثاؤب الأنامل» لرحاب الكيلاني، فيما يتحدث الفصل الثاني عن «المرأة والبعد الذاتي بين الواقع الأسري والاجتماعي»؛ وذلك عبر الغوص في رواية «عيناك يا حمدة» لآمنة المنصوري، بينما يبحث الفصل الثالث عن «المرأة والذات وحقيقة الواقع الاجتماعي»، من خلال رواية «شاهندة»، لراشد عبد الله النعيمي.

وجاء الباب الثاني في الكتاب بعنوان «المرأة والقضية الأسرية في الرواية الإماراتية»، ويتضمن عدة فصول، الأول يتحدث عن المرأة والقضية الأسرية بالاستناد على رواية «طوي بخيتة» لمريم الغفلي، فيما يركز الفصل الثاني على «المرأة والواقع الأسري»، عبر قراءة رواية «مزون»، لمحمد عبيد غباش، ويناقش الباب الثالث موضوع «المرأة وقضية العمل في الرواية الإماراتية»، من خلال عدة فصول الأول يبحث في «المرأة وقضية العمل وطبيعة الفكر الاجتماعي»؛ وذلك عبر رواية «رائحة الزنجبيل»، لصالحة غابش، وجاء الفصل الثاني «المرأة وقضية العمل»، عبر الغوص في رواية «عندما تطمح المرأة ويغضب الرجل»، لسلطان الزعابي.

حقوق

وعبر كل تلك الأعمال السردية التي استعرضتها المؤلفة تتوقف د. هند المشموم عند قضايا عديدة ومتنوعة ومتشعبة للمرأة الإماراتية، لكن القاسم المشترك، والقضية التي تكاد تكون مركزية هي مسألة البحث عن المساواة بين الجنسين (المرأة والرجل)، في كل المجالات الاجتماعية والثقافية والسياسية، وبصورة خاصة العمل كحق أساسي، لا سيما في الوظائف التي ظلت على الدوام حكراً على الرجال، ولعل المرأة الإماراتية قد قدمت الكثير في هذا الشأن نسبة لكفاحها المتواصل، وكذلك لإرادة الدولة في أن تتقدم المرأة ليكون لها دور أساسي في المجتمع، وبالفعل فإن النساء في الإمارات العربية المتحدة قد طرقن كافة المجالات، ووصلن إلى أعلى الوظائف، وبرعن كذلك في الأشكال الإبداعية المختلفة من فنون وآداب، ولعل الكاتبة قد بينت أن تلك الروايات التي تصدت لها قد تناولت بالفعل قضايا النساء منذ منتصف القرن الماضي إلى اليوم، وأوضحت تلك الأعمال السردية كيف أن النساء استطعن أن ينلن حقوقهن بطريقة لطيفة وناعمة وذكية، فهن قد تمثلن روح الدولة والثقافة العربية والعادات والتقاليد، وابتعدن عن الحدة وكل ما من شأنه أن يسيء إلى القيم العربية والإسلامية.

عصب الحياة

وتشير الكاتبة إلى أن المرأة تمثل القاعدة الأساسية في البنية التشكيلية للمجتمع والعمود الفقري للحياة الأسرية، فهي تشكل قضية للواقع والمجتمع، هي من تبني وتؤسس، وتعمر وتهدم، فالمرأة هي الأم والأخت والزوجة والرفيقة والعمة والخالة والجدة، والمرأة بالضرورة هي عصب الحياة وميزان المجتمع وعقيدة الواقع، هي المدرسة والمؤسسة والحاضنة والمربية، فالمرأة أساس الصلاح في المجتمع، فإذا صلحت سما المجتمع وارتفع، وإلا فسدت وانهارت دعائم المجتمع وأسسه، ويتناول الكتاب حقوق المرأة في الحياة الاجتماعية، والثقافية، والحق في التعليم، والعمل.

يلفت الكتاب إلى أن الرواية الإماراتية تمثل رافداً جديداً للساحة الفنية والأدبية، فهي لم تأتِ ناضجة فنياً مقارنة مع الرواية العربية؛ حيث واجهت صعوبات في بداياتها، واستطاعت أن تتطور، وتحتل مكانة جيدة عبر تناول الواقع الاجتماعي بكل إشكالياته ومتغيراته وقيمه؛ إذ يشير الكتاب إلى أن فنّ الرواية يعد من الأجناس الأدبية المحدثة التي تسعى جاهدة إلى تصوير واقع المجتمع، وتترك بصماتها بوضوح، لما تملكه من آليّات فنية يمكن الاحتكام إليها، وعبر ذلك المنحنى فإن الكتاب يقدم العديد من الأسئلة حول المرأة وواقعها ومكانتها في المجتمع، كما يلفت إلى أن هنالك عوامل أسهمت في ظهور فن الرواية في الدولة مثل ظهور الصحافة والاهتمام بالتعليم وإنشاء المكتبات العامة، وبعد ظهورها نجحت الرواية الإماراتية في تطور الحركة الثقافية في الدولة، واستطاعت أن تتبنى الكثير من القضايا الاجتماعية.

إشكالية

ويخلص الكتاب إلى أن قضية المرأة الإماراتية، تظل قضية إشكالية، ولابد من الوقوف عند حدودها، لأنها تحتاج بالفعل إلى نظرة عميقة ومتأنية، ويلفت هذا المؤلف الوافي إلى أن الكتابة الروائية تبدو مسكونة بوعي نسوي يسعى إلى الاهتمام والالتزام بقضايا المرأة وهمومها؛ حيث تظل الرواية في الإمارات عالماً متسعاً وعميقاً، وتظل المرأة الإماراتية فيها لغزاً جميلاً، وتظل مادة للجدل عند الكثير من الكتّاب الإماراتيين، ولأن الساحة الأدبية في الدولة تشهد حراكاً ثقافياً، فإن المرأة لم تغب عنه، وكان لقلمها الرشيق وضعه الخاص المميز في مجال الكتابة الإبداعية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3xb795d8

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"