عادي

تنامي ملحوظ للقصة القصيرة جداً في الألفية الثالثة

23:08 مساء
قراءة 4 دقائق
د.بديعة الهاشمي

الشارقة:علاء الدين محمود
كتاب «القصة القصيرة جداً في الخليج العربي.. دراسة تأصيلية فنية»، للناقدة الدكتورة بديعة خليل الهاشمي، الصادر في طبعته الأولى عام 2018، عن دائرة الثقافة في الشارقة، هو محاولة نقدية علمية مهمة تتناول القصة القصيرة جداً، كنمط إبداعي بدأ بالانتشار بصورة كبيرة في منطقة الخليج، ليس على مستوى الشباب فقط، بل وحتى لدى الكتاب المعروفين مثل عبده خال، والطاهر الزارعي، ومشعل العبدلي، وغيرهم،
وفي الإمارات برزت أسماء معروفة تمارس كتابة هذا النوع الأدبي، مثل عائشة عبد الله، وعائشة الكعبي، وسلطان العميمي، وعدد من المؤلفين، حيث بات فن القصة القصيرة معروفاً بقوة في مشهد السرد في الإمارات.
هناك الكثير من النقاد الذين تناولوا هذه التجربة التي فرضت نفسها بقوة، واستفادت من التقنيات الحديثة، وهناك العديد من المجموعات لكتاب في مواقع التواصل الاجتماعي يمارسون كتابة هذا الشكل الأدبي، الذي اكتسب جمهوراً كبيراً، خاصة أنه يعتمد على الاختزال والتكثيف الشديد والاهتمام بالمعنى بصورة أكبر، وهو يتطلب براعة كبيرة باعتباره فناً شديد الصعوبة، وليس سهلاً كما يتبادر إلى أذهان الكثيرين، الأمر الذي عالجته الناقدة الهاشمي في هذا المؤلف الذي يرصد هذا الجنس الإبداعي، ويبين سماته وتقنياته وأساليبه، كما يتناول عدداً من الكتّاب الذين برعوا فيه.
الكتــــاب في الأصـــل هو رسالــــة جامعيـــة أكاديميــــة، نالت عنه الهاشمـــــي شهــــادة الدكتــــوراه في الأدب، لذلك اتســــم بالدقـــــة في تنــــاول الموضــــوع والمرجعيـــات، حيــــث غاص عميقــــاً في مفهـــــــــوم القصــــة القصيــــــــرة جــــداً، وظهورها بصورة خاصة في منطقة الخليج، مع التعريف بمصطلح القصة القصيرة جداً، والإشكاليات النقدية التي تواجه هذا الفن باعتباره جديداً، كما يبرز كتاب هذا النمط الأدبي في الخليج، إلى جانب قراءة نقدية في مجموعات قصصية من حيث المضامين وآلية تطبيق التقنيات الفنية في القصة القصيرة جداً، ولعل من أكثر الأشياء التي استوقفت النقاد هو المسمى نفسه من حيث التوصيف بـ«قصيرة جداً»، فهو يشير إلى الحجم، كما أنه يميز هذا النمط الإبداعي الذي ظهر بأسماء أخرى، مثل الومضة، ولكن العديد من النقاد والباحثين فضلوا القصة القصيرة جداً لكون المسمى يعتمد على التمييز بينها، وبين القصة القصيرة، فمن الواضح أن هناك تشابهات بينهما، ما عدا في الطول والقصر، بين القصة القصيرة جداً، والقصيرة، من حيث الاعتماد على الاختـــزال والتكثيـــف وسائر الجوانب التقنية والفنية الأخرى.

  • غياب الوعي

يشير الكتاب إلى أن هناك غياباً حقيقياً للوعي حول مفهوم القصة القصيرة، فهذا الجانب قاد إلى الاستسهال في كتابتها، ومن ثم ظهر العديد من النصوص التي يدعي أصحابها أنها تنتمي إلى القصة القصيرة جداً، فالكتاب ينطلق من تبيان حقيقة أن هذا النمط، أو النوع الإبداعي في الكتابة القصصية، هو شكل سردي يعتمد على تصوير ملامح من الواقع والتقاط جوانب من الحياة، وهو يمتاز بالإيجاز والتكثيف والمفارقة، في جميع عناصره الفنية، ودائماً ما يخلو من عنصر الحوار، وإن جاء فإنه يكون موجزاً بصورة كبيرة.
ويركز الكتاب كثيراً على مسألة ظهور هذا الشكل القصصي في الكتابة السردية في منطقة الخليج، وأبرز من كتبوا واشتهروا بهذا الشكل الأدبي، ويتناول الكتاب البدايات والإرهاصات الأولى للقصة القصيرة، حتى داخل المجموعات القصصية للكتاب الذين عرفوا بكتابة القصة القصيرة، ممن لديهم نصوص قصيرة جداً، حيث إن مثل تلك الكتابات شكلت البداية لانتشار هذا النوع السردي، خاصة أن منطقة الخليج، بصورة عامة، عرفت بحبها لفن القصة، والذي ظهر قبل بروز الرواية وتسيّدها مشهد السرد، وظلت القصة القصيرة لها مكانتها الخاصة لدى القراء في هذه المنطقة المترامية الأطراف.

  • دراسات نقدية

تشير د. بديعة الهاشمي في كتابها إلى أن الاهتمام بالقصة القصيرة جداً، قد تزايد في مطلع الألفية الثالثة، وهو أمر جعل الكتّاب الكبار يُقبلون على إنتاج نصوص قصيرة جداً، بعد فترة من الحرج، حيث لم يكن ينظر إلى هذا النوع الأدبي باهتمام كبير، أو تقييم عال، غير أن الوضع تغير بصورة كبيرة بعد أن استقر هذا الجنس الإبداعي، وصار هناك اعتراف بوجوده من قبل الكتاّب والقراء والنقاد، على حد سواء، كما بدأت تتوسع الدراسات النقدية في تناول هذا الجنس الأدبي، من حيث خصائصه التقنية، بل وصارت تعقد الكثير من اللقاءات والمؤتمرات حوله ما خلّف زخماً إعلامياً ملحوظاً حفز المزيد من المبدعين على اعتماده كوسيلة للتعبير والتجريب، والكتاب بهذا المعنى يتوسع في رصد مظاهر استقرار القصة القصيرة جداً، ولحظة الإقبال على كتابتها، ومن ثم تطورها بعد أن تم تناولها نقدياً.
يحتوي الكتــــاب على نصـــــوص صـــــدرت بين الأعــــوام من 2005 و2017، وقد جمعتها الكاتبة لترصــــد عبرهــــا نشأة وتطور هذا النوع الســــردي، وشواغلــــه التقنيــــة، وأسئلته الجمالية والفكرية في منطقة الخليج. وطرحت الباحثة جملة من الأسئلة في مدخل بحثها حول العوامل التي ساعدت على ظهــــور وذيــــوع هـــذا الجنـــس الأدبي بين الكتّاب الخليجيين والمكانة التي يحتلها، وأبرز العوائق التي واجهته، ودرست خصائصه مقارنة بسواه من الأشكال السردية.

  • ملتقيات

الكتــــاب يشيــــــــر إلــى العوامـــــل والأسبــــاب التي قــــادت الكتاب في منطقة الخليج، إلى التعــــرف إلى هــــذا النمــــط الإبداعي، ومن ثم الكتابـــة فيـــــه، ولعـــــل من أهــــم تلــــك الأسباب هي مشاركة الكتّاب الخليجيين في الملتقيات السرديــــة العربيـــة التي عمقــــت معرفتهــــم النظرية به، وزادت حماستهـــــم إلى ممارستـــه؛ وتلفـــت المؤلفــــة إلى أن كتّاب الخليج، ولوقت قريـــــب، كانـــوا يميلون إلى نشر نتاجاتهم القصصية من دون تصنيفها كـ«قصص قصيرة جداً»، برغــــم توافرهـــا على خصائـــص هذا اللون الأدبي، فيما تعتبر مرحلة سبعينات القرن الماضي، هي لحظة تشكل بدايات ظهور نصوص على شكل قصص مقتضبة، وأحاديث مختزلة، وأقاصيص مكثفة، وأخبار موجزة متأثرة بالمجموعات القصصية، وما ينشر في المجلات العربية الثقافية، خاصة في المملكة العربية السعودية التي تظهر كرائدة في هذا المجال خليجياً؛ ويعتبر الكاتب جبير المليحان أسبق الكتّاب الخليجيين إلى هذا النوع الأدبي، إذ نشر مجموعة من النصوص القصيرة جداً منتصف السبعينات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yzhwuv4c

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"