عادي

«ما بعد الطوفان».. كتابة تنقب في عوالم المرأة

15:26 مساء
قراءة 5 دقائق
«ما بعد الطوفان».. كتابة تنقب في عوالم المرأة

الشارقة: علاء الدين محمود

على الرغم من الحضور الكبير للكاتبات الإماراتيات في مجال الأدب والسرد بأشكاله المختلفة من قصة قصيرة، والقصة الومضة، والرواية، إلا أن الملاحظ أن هذه الكتابات غير منغلقة فقط داخل قضايا المرأة، بل منفتحة على الإنسان في كل مكان، وحتى عندما يتم تناول شواغل النساء، فإن ذلك يتم بصورة مختلفة عن ما هو سائد من كتابات الشكوى والبوح والحنين، نحو تناول الدور القوي للمرأة في المجتمع، وهناك الكثير من الروايات والأعمال القصصية الشاهدة على ذلك الأمر، وهو ما يحسب لصالح العديد من المبدعات الإماراتيات في مجال السرد.

كتاب «ما بعد الطوفان»، للكاتبة عائشة عبد الله، الصادر في طبعته الأولى عام 2003، عن دائرة الثقافة في الشارقة، هو عبارة عن المجموعة القصصية الأولى للكاتبة، تنفتح فيها على عوالم متعددة،، وتتحدث في هذه المجموعة عن الموت والحياة والصراع وطبائع البشر، والبوح عن الذات بطريقة لا تخلو من الأسلوب التأملي، كما تتناول الإنسان الفرد في عالم متحول ومتغير في العصر الحديث، لذلك تكثر ثيمات الانعزال والوحشة واغتراب الإنسان عن جوهره وذاته بل وعن الروح الجماعية التي باتت تنحسر شيئاً فشيئاً، إذ نجد أن النصوص معبأة بمشاعر الشوق والحنين إلى عوالم توارت وصارت جزءاً من الماضي، خاصة العلاقات الإنسانية بين البشر وما فيها من تواصل ومحبة، فروح العصر الراهن ضربت أشكالا من العزلة، وصار الفرد يهيم وحيداً في عالم متشظٍ خال من التعارف والروح الرفاقية.

*عالم المرأة

على الرغم من تلك العوالم الإنسانية المختلفة التي يتناولها الكتاب، إلا أن قضايا وشواغل المرأة تحضر في بعض النصوص بصورة مختلفة، فالكاتبة تسلط الضوء على الكثير من خبايا المسكوت عنه، في سياق عام وهو القهر الإنساني على وجه العموم، وما يتعلق بالمرأة بصورة خاصة في مختلف المجتمعات، والكتابة عن النساء في هذه المجموعة ليست كتلك الغارقة في عوالم الحب والنجوى والشكوى، بل ترصد المؤلفة واقعا اجتماعيا وأبعادا إنسانية، إذ تمارس فعل التنقيب والغوص العميق في عالم المرأة وحضورها القوي وبحثها عن مساحات للإفصاح عن نفسها والتأكيد أن لها أدواراً مهمة تمارسها في المجتمع، لذلك تتعدد صور النساء في نصوص الكتاب، وتتنوع قضاياهن، كما يحضر الرجل كذلك بصورة موازية، إذ تستحضر بعض القصص أشكالاً من العلاقات بين المرأة والرجل، ليتم تناولها بأبعاد نفسية لا تخلو من التحليل والتفسير، في سياق التنقيب في الخطاب الذكوري وبواعثه والعوامل التي تشكله لتجعل منه قوة وسلطة مهيمنة، إذ تمارس الكاتبة فعل تفكيك العلاقات بين الجنسين.

غير أن الكاتبة تعمل على ذلك وفق أسلوبية لا تلجأ إلى الصدام المباشر، وتعلي في بعض الأحيان من أهمية بعض العادات والتقاليد التي تتلاءم مع روح العصر، بينما تنتقد تلك القيم التي تحول دون تقدم وتطور النساء، بالتالي تحضر في الكتابة ثيمات مثل التهميش والحرية، غير أن الكاتبة تشتغل على تلك المفاهيم دون أن تمس بجماليات السرد المكثف بلغة راقية لا تخلو في كثير من الأحيان من الشاعرية، كما تحضر الأسئلة التي تثيرها لتترك النهايات مواربة مع دلالات ورموز وإشارات تتركها لفطنة القارئ، كما تميل المؤلفة في كثير من النصوص إلى استحضار الماضي والالتفات إلى عوالم ولت لتسقطها على الحاضر، كما تحضر الأمكنة كعوالم يسكنها الجمال والحنين، وتعمل الكاتبة كذلك على صناعة العديد من الصور والمشهديات في سياق تناولها للواقع الاجتماعي ولحظة انفتاحها كذلك على العوالم الإنسانية الأخرى.

*أدب أنثوي

ولعل ما يجعل تلك النصوص لا تغرق تماماً في قضايا المرأة، هو أن الكاتبة نفسها لا تؤمن بأن هنالك كتابة نسوية وأخرى خاصة بالذكور، بل أن النص يفرض عوالمه وحكايته ومواضيعه، حسب المعالجة الفنية والإبداعية والفكرية من قبل المؤلفة، حيث تشير الكاتبة إلى أن الحديث عن ما يسمى بالأدب النسوي يؤدي بالضرورة إلى مفهوم أن المرأة دخيلة على الأدب وليست جزءاً منه، فهذا المصطلح بحسب الكاتبة يشعر كذلك بدونية المرأة مقابل الرجل في النتاج الأدبي، وهذا خلاف الواقع، الذي يؤكد أن المرأة ند للرجل في الكتابة الأدبية، ففي الأدب تتلاشى الفروق بين الرجل والمرأة، وتبقى الكلمة للقلم الذي يدونها، والفكر الذي يديرها.

الكتاب يقع في 82 صفحة من الحجم الصغير، ويضم 18 نصاً وهي: «الطوفان»، «رحلة الكابوس»، «فوضى»، «نداء النهام»، «حلم»، «في سكون الظلام»، «عيناه»، «عازفة العود»، «الكابوس»، «عندما يبكي الرجال»، «الصوت»، «الليلة الباردة»، «الموت الأبيض»، «زائر الليل»، «باقة ورد»، و«أنت طالق».

*أسلوب وتقنيات

لعل الملاحظة الجديرة بالذكر في تلك النصوص، أنها تتأرجح ما بين القصة القصيرة، والقصة الومضة؛ أي القصيرة جدا، وذلك يشير إلى حضور هذا النوع القصصي في الكتابات السردية الإماراتية المبكرة، حيث تفرد الكتابة في بعض النصوص مساحات واسعة نسبيا، فتميل إلى الإسهاب بحسب الموضوع الذي يحمله النص، وكذلك وفقا لما يتضمن من دلالات ومعان، وفي بعض النصوص تميل الكاتبة إلى التكثيف الشديد حيث تمارس المؤلفة نوعا من حرق المراحل وصولا إلى المعنى مباشرة، كما أن بعض القصص تبدو غامضة بعض الشيء خاصة تلك التي تتضمن مناجاة الذات أو التي تطرح تصورات فلسفية ما يتطلب بعض الجهد في الإحاطة بمضامينه ورصد خباياه من أجل إجلاء الغموض عنه، ولعل العامل المشترك في معظم تلك القصص أن الكاتبة تميل بصورة كبيرة نحو النهايات المواربة التي لا هي مغلقة تماماً، ولا هي مفتوحة، وذلك من الأساليب والتقنيات التي توظفها الكاتبة في العديد من نصوصها في هذه المجموعة وفي مؤلفاتها الأخرى بما فيها الروائية.

*صوت النهام

في العديد من قصص الكتاب، خاصة شديدة التكثيف في ما يعرف بالقصة القصيرة جدا، نلمح ذلك الميل إلى اللغة الشاعرية الجميلة التي تثير الشجن والحنين، خاصة تلك التي تدور عوالمها حول البيئة ومفرداتها، مثل نص «صوت النهام»، والنهام في الثقافة الشعبية الإماراتية هو الاسم الذي يطلق على مغني السفينة، هو الذي يتولى مهمةإاشعال الحماسة لدى البحارة وهو الذي يقيم ليالي السمر، ونقرأ في أحد مقاطع تلك القصة «سمعت صوت النهام ينادي من أعماق البحر، صوت مليء بالشجن، يهمس بأغنية حزينة... دافئة، فتكسر قلبي، أصبح أشلاء متناثرة، حاولت أن أجمع شتاته، لكن تلك الريح المجنونة، جمعت أشلاء قلبي بسرعة في حركة رشيقة، أخذت تدور حول نفسها، تراقص الأشلاء، تعانقها، تغازلها، تهمس لها بكلمات ليست كالكلمات».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/34n7ent2

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"