عادي

«حجرات ذات نوافذ» تنفتح على ثقافة زمن كورونا

16:12 مساء
قراءة 4 دقائق
«حجرات ذات نوافذ» تنفتح على ثقافة زمن كورونا
علي الشعالي

الشارقة: عثمان حسن

«حجرات ذات نوافذ.. مقالات وتأملات في النشر والكتابة» هو كتاب جديد للشاعر الإماراتي علي الشعالي. يتجول فيه مع القارئ العربي في رحلة من عمق أجواء كارثة كورونا 2020، هي بكل تأكيد رحلة أشبه بالسردية الثقافية –إن جاز التعبير- ونقول ذلك من واقع ما تحمله هذه الكتابات من (توثيق وتحليل معاً) لفترة رافقتها إصدارات كتب ولقاءات ومؤتمرات وأمسيات في العالم الافتراضي، الذي ضج بكل ما هو مفيد ويمكن التعويل عليه، ولكن، أيضاً، بكل ما هو مستهلك وفج، ولا يراكم في حسابات الثقافة الجادة التي يمكن البناء عليها.

جاء الكتاب في 118 صفحة من القطع المتوسط، وصدر عن دار اللوهة للنشر والتوزيع في دبي 2023، واشتمل على مقدمة و24 مقالة بينها (تنفسي يا أرض، الرقابة مقاساتها وألوانها، الأغلفة بعضها يكذب، الوفرة المربكة، كوكب الاحتمالات.. ماذا لو؟، الكذب النبيل، الأرقام والأوكسجين، إحراق الدواوين، مكتبات بلا ورق، الصخرة الثالثة من الشمس، النشر رقصة تانغو، السباحة في المحيط والإنجليزي) كما اشتمل على حوارات صحفية مجمعة.. ومقابلات مصورة.

الناشر: دار اللوهة للنشر والتوزيع في دبي

  • *مفاتيح

في مقدمة الكتاب يتعرف القارئ إلى مفاتيح هذه الكتابات المتأملة للشاعر والروائي الشعالي، ولكنها أيضاً، تضيء على الشعالي الناشر، حيث النشر مهنة لا تقل شغفاً من ناحية ما تطرحه من مضمون ثقافي، تأثرت بظروف جائحة كورونا، حيث يقول الشعالي: «ثمة ما يشبه الإجماع الصامت، هكذا يبدو لي، أننا لم نفق بعد، وأننا ما زلنا بحاجة لمسافات زمنية كافية، ومساحات من التفكر – منفردين ومجتمعين- لننشئ وعياً متخففاً من التأثر المباشر، عسانا نستطيع أن نشكل رؤية أعمق لما مررنا به عام 2020 وحواليه، فالوباء كان يتحرك إزاءنا بسلطة فجة..».

بهذه الإضاءة، نقف عند كثير مما يود الشعالي أن يطرحه من أسئلة حول الكارثة التي خلفتها كورونا في فضاء الثقافة والمعرفة، ومن واقع تجربة الشعالي نفسه كشاعر وروائي وناشر، ولا شك أنه يعرف بالضبط أين تقف حدود هذه المهنة، خاصة إذا ما تصدى لها شاعر يحرص على تقديم كل هو هو جديد ومدهش.

  • *مستويات

ومن واقع مهنته كناشر خبر سوق الكتاب المحلي والعربي، وتربطه علاقات جيدة مع ناشرين مع دول مختلفة، فالشعالي في هذا الكتاب، يؤكد على ضرورة ثقافية تفرق بين أشكال النشر الطارئة التي باتت تغزو سوق الكتاب في أشكالها المرئية والمسموعة المختلفة، خاصة أن مثل هذه الأشكال التي تنامت في زمن «كورونا» باتت لا تراعي الدقة أو الحرفة الفنية والأدبية في بعض ما ينشر، وهو في هذا السياق يقف ضد سلعنة الكتاب، كما أنه ينتصر للثقافة بمعناها الشامل، وهو أيضاً ينطلق مما بات يشكل ظاهرة يجب التوقف عندها، ظاهرة باتت تكتسح المشهد الثقافي سواء كان ذلك للاطلاع أو القراءة أو البحث أو الترفيه والتسلية.

يستمر الشعالي في رصد هذه الظاهرة المؤرقة في سياق تفريقه بين مستويين من عملية النشر، النشر على أصوله الثقافية والفنية، والنشر المتعجل أو الطارئ حيث يقول: «لا يستطيع الناشرون والمؤلفون وغيرهم من المشتغلين بالصناعات الإبداعية أن يغضوا الطرف عن خطورة ما يقومون به كل صباح وأكثر المساءات، إنهم يقدمون لمجتمعاتهم ما يسهم في تشكيل وعيها ونحت ذائقتها، فهي أعمال تكتسب خطورتها من كونها بالغة الأثر، وهي أيضاً خطرة بالمعنى الشائع، أي أنها قد تعرضهم لما يكرهون أو توقعهم في حرج جراء خسارة مال أو نقد غير موضوعي».

وهو في سعيه لتحليل هذه الظاهرة، ينتصر لعملية النشر في شكلها النموذجي المتعارف عليه، هذا النموذج سوف يظل كما يؤكد الشعالي حاضراً في زمنه ويسعى نحو المستقبل، كما أن تجويده يعتبر ركيزة، كما أن النصوص الجيدة سوف تظل هي الثروة بكل تأكيد.

  • *تأملات

يكشف الشعالي في واحدة من مقالاته اللافتة أيضاً في الكتاب «عناوين بلا ورق» عن عالم متغير صارت فيه صناعة الكتاب محكومة لموجة التحول الإلكتروني التي نعيشها اليوم، وهي الموجة التي تسارعت مع وباء كورونا، حيث صار العالم مفتوحاً «على مكاتب خالية من الأوراق وبيئات عمل بأقل عدد من الأقلام» ناهيك عن المناهج التعليمية التي ارتبطت بالأجهزة اللوحية في إشارة إلى التعليم عن بعد، وفي هذا كله، فثمة تأثير عميق أصاب صناعة الورق والقرطاسية التي يؤكد الشعالي أنها لن تعود أبداً كسابق عهدها.

في ذات السياق يعقد الشعالي مقارنات تستحق الوقوف عندها، حين يتحدث عن مهنة النشر التي كانت في السابق تتطلب السفر والتجوال ومعاينة ما هو معروض في سوق الثقافة والنشر، إلى أجواء ومناخات اليوم التي باتت على مشارف أقراص ممغنطة وما يسميه الشعالي «القارئ المعدني» الذي يمسح الشريط الممغنط ويعرض سلوكنا إبان فرض الحظر، فإذا الجميع في وسط الصورة، وهو مشهد أسهم في تشوه نطاق الحركة، التي انفلشت من خلالها الغرف إلى مضلعات متوازية، ومع مرور الأيام اضمحلت الأنشطة، وصارت عدادات الخطوات في ساعاتنا الإلكترونية تقصفنا بتحذيرات ونصائح تقصد الحرص على سلامتنا.

وبعد، ففي هذه القراءات أو التأملات التي يسردها الشعالي في كتابه يتحفنا الشعالي بقراءة استشرافية فيها الكثير من الأسئلة التي تثير الجدل، وتستحق قراءات نقدية تحليلية، على مشارف عوالم عصية على التوقع، زادت من أعباء الحياة في ظل متغيرات وتحولات غير محسوبة وهنا، بكل تأكيد في الشق الذي أصاب الثقافة والمعرفة، إنها، من دون شك بمثابة قصص تختلف عما سبق أن ألفناها من قصص وحكايات الجدات المشوقة، كما يكتب الشعالي على غلاف كتابه، ولا شك أن للجدات سمعة لا بأس بها حين تشتعل المفاضلة بين الحكّائين، ولهنّ أيضا سَبقٌ مشهود في براعة السرد، ولعل هذا ما جعل نصوص هذا الكتاب تتحرك في منطقة أو مساحة مختلفة كلياً عن حكايات الجدات الناعمة والمشوقة، إنها في هذا الكتاب حكايات ونصوص تطرح أسئلة ملحة وحادة، لكنها من وجهة نظر أخرى، قد تكون مشروعة، يأمل الشعالي أن يكون لها صدى في عوالم القراءة ونشر الكتب وما يرفدها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/m5vk8zwe

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"