تشييع الجنازة، والصلاة على الميت، وحضور الدفن، من الأمور الثابتة عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم، وهي فرصة لمراجعة النفس، والتفكر، والاتعاظ من مصيبة الموت. واتّباع الجنائز من السنَن المُستحبّة، وهو من حقوق المسلم على أخيه، إذ ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن الرسول، صلّى الله عليه وسلّم، قال: «حقّ المسلم على المسلم خمس، ردُّ السلام، وعيادة المريض، واتّباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس»، رواه البخاري ومسلم.
ويوضح محمد سعيد مبيض في كتابه «الآداب الاجتماعية في الإسلام»، أن من أهم السلوكات الإسلامية في اتّباع الجنائز عدم البكاء بصوت عال، وعدم النواح، والندب، وما شاكلهما، من شق الجيوب، ولطم الخدود، وغيرهما، فعن ابن عمران، أن رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، بكى على سعد بن عبادة، فبكى الناس، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا ويرحم، وأشار إلى لسانه»، متفق عليه.
وعن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «دخل على ابنه إبراهيم، رضي الله عنه، وهو يجود بنفسه فجعلت عينا الرسول تذرفان، فقال له عبدالرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله، فقال: يا ابن عوف إنها رحمة، ثم أتبعها بأخرى، فقال: إن العين لتدمع والقلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون»، رواه البخاري.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، (مزق الثياب من الأمام) ودعا بدعوى الجاهلية»، رواه البخاري.
ومن السنة مرافقة الجنازة حتى ردم التراب عليها، لحديث رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم: «من اتّبع جنازة مسلم، إيماناً واحتساباً، وكان معه حتى يُصلى عليها، ويُفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل أُحُد، ومن صلّى عليها، ورجع قبل أن تدفن يرجع بقيراط»، رواه البخاري.
ويستحسن الثناء على الميت بذكر مآثره، ومحاسنه، وعدم التعرض لإساءاته، فعن أنس رضي الله عنه، قال: «مرّوا بجنازة فأثنوا عليها خيراً، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: وجبت، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً، فقال صلّى الله عليه وسلّم: وجبت. فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال صلى الله عليه وسلم: هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض»، رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
وليس المقصود من الحديث كما يجري في بعض الأقطار، حيث يسأل سائل: توفي فلان ماذا تشهدون به؟ فيجيبون: نعم الرجل، حتى ولو كان بئس الرجل، إذ لا داعي لطرح هذا السؤال وإحراج الناس بأداء شهادتهم، إذ لو أن رجلاً واحداً شهد بسوء المتوفى، لحدثت فتنة في ذلك المأتم، ولكن المقصود من هذا الحديث: إنه إذا تسامع الناس بوفاة إنسان ذكروه بما عرفوا عنه من صلاح، وأن إجماع الناس على صلاح متوفى بشير بدخوله الجنة. عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبّوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا. رواه البخاري في صحيحه.
كما تحسن الموعظة عند القبر أثناء الدفن، والدعاء للميت بعد ردم التراب. عن علي رضي الله عنه، قال: «كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرة، فنكس رأسه وجعل ينكث بمخصرته (عصاه) ثم قال: ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار، ومقعده من الجنة. فقالوا يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا، فقال: اعملوا فكلٌ ميسرٌ لما خلق له، متفق عليه.
وعن عثمان بن عفان، رضي الله عنه، قال: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال:«استغفروا لأخيكم وسلوا له بالتثبيت؛ فإنه الآن يُسأل»، رواه أبو داود.
كما يشير أحمد عبدالمتعال في كتابه «آداب الأسرة المسلمة» إلى بعض القواعد التي يجب مراعاتها عند تشييع الجنازة، منها الإسراع بها، فعن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي، صلّى الله عليه وسلّم قال: «أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدمونها، وإن يك سوى ذلك، فشر تضعونه عن رقابكم»، أخرجه ابن ماجه.
ويستحب في الجنازة المشي أمامها، أو خلفها، أو عن يمينها، أو شمالها، قريباً منها، ورأى الجمهور أن أمامها أفضل ورأى الأحناف أن خلفها أولى، وألا يرفع الصوت عندها، وألا يقعد المشيع لها قبل أن توضع على الأرض، فمن لم يتبعها فليقم حتى تغيب عنه، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا رأيتم الجنازة، فقوموا، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع»، أخرجه البخاري.
ويمنع اتّباع النساء للجنائز لحديث أم عطية، رضي الله عنها قالت: «نُهينا أن نتّبع الجنائز، ولم يُعزم علينا»، أخرجه أبو داود.