عادي
سيمفونية قلم

عقدة هوية

22:02 مساء
قراءة دقيقتين
1

إيمان الهاشمي

وجود بعض الناس في حياتك يجعلك تحمد الله على وجود «جهنم»، وكذلك وجود بعض الناس في حياتك يجعلك تحمد الله على وجود «الجنة»، ألا تتفقون معي؟ المهم أننا في الحالتين نحمد الله على كل شيء، وأولهم وجود «الوجود» نفسه، ووجودنا في نفس الوجود الموجود، حسناً.. لا عليكم من هذه الفلسفة، فقد تم إعفاء عقلي من منصبه في الآونة الأخيرة وتعيين «الموسيقى» في رأسي عوضاً عنه، فهي تفهم وتحلل وتشرح أفضل منه بكثير.

طفلٌ مدللٌ بلا ترويض، شابٌ مسرفٌ بلا تفويض، رأسه طويلٌ وعريض، وقلبه قاسٍ وغليظ، وإن لان قليلاً كان كالعظم المهيض، أمّا غضبه فهو عارمٌ وبغيض، وكأنه المجرم البريء من التحريض، أو كالمريض الذي لا يحتاج إلى تمريض! حيث إنه متفائل دائماً حتى حين يلتطم بالحضيض! ببساطة لأن روحه بالألحان تعج وتفيض، كنجومٍ تلمع داخل القلب من دون وميض، في مزيجٍ مختلطٍ بين التوافق والنقيض، فألحانه لا تقبل الاستبدال ولا التعويض، ولا ترضى بالتنازل أو التخفيض، يا لطيف.. يا حفيظ! يا له من رجل يبهر وفي الوقت ذاته يغيظ! إنه (ريتشارد فاغنر) الملحن الألماني والكاتب الناقد الساخر، والعنصري الحاقد على اليهود من الآخر، توفي والده عندما كان عمره 6 أشهر فقط، وفوراً تزوجت أمه فلم يتأكد من هويته قط! عاش لا يجيد الابتسامة، ولا تعلو ملامحه الوسامة، ومع ذلك تساقطت قلوب النساء أمامه، أحب الخضراوات واحترم البوذية، وعشق الكلاب وكره اليهودية، واهتم بالرسالة النازية، ولم يستسغ اللغة الإنجليزية، كما لم يهتم بالموسيقى في طفولته، فانتظر المراهقة لتظهر بطولته.

كانت معظم ملابسه من المخمل أو الحرير أو الستان، كما رأى فيه (فرانز ليست) نِعم الصديق والإنسان، ولم يَتَعرَّض أو يَعتَرِض على غيرة (شوبان)، وإنما هاجم الموسيقار (برامز) بكل شراسة، ثم اقترن بابنة صديقه (فرانز) رغم الحراسة، والغريب أنه غرق في الديون ليتنفس لقمة العيش، والأغرب أن (أدولف هتلر) أُعجِب بألحانه وربطها بالجيش، في حين تم منع عزفها بتاتاً في إسرائيل، وإن ظهرت هناك بشكلٍ خفي وضئيل، حيث اعتبروا والده البيولوجي يهودي الأصل، وكأنها مسرحية أسدلت ستارها أول الفصل، وفي الختام، عند آخر الكلام، وبعيداً عن السلام، نُفي من موطنه، ليموت في غير موطنه، وذلك بسكتةٍ قلبية، وفقاً لقول الأغلبية.

الصورة

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/5d6sx7xr

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"