إيمان الهاشمي
حفرٌ عميقة من فوقنا ومن تحتنا، حفرٌ حُفرت بقصد أو من دون قصد، تارةً لتحقيق غاية ما وتارة من دون أي غاية، والنتيجة الحتمية من هذه الحفر هي ألا نعيش، ولكننا دائماً ننجو بأمر الله وبطهارة قلوبنا وكأننا لأول مرة نعيش، فمنَّا من ربط حياته بأطفاله وهو يشاهدهم يكبرون أمامه فأحب كيف يعيش، ومنا من صدَّ صفعات الزمن كي يحمي من يحبهم وبالتالي يعيش، ومنا من قرر دون شعور أنه ما عاد يعيش ليعيش، ومنا من تراكمت داخله تجاعيد السنين وحان موعد تقاعده ليعيش، ومنا من حمل أحفاده وحاول تعليمهم كيف كان يريد أن يعيش، ومنا من لم يستطع فهم تطورات العصر ليعيش، ولكنه عاش يساير من حوله ليعيش، وهناك من عزف الصمت ليتكلم ويخبر العالم بأنه يعيش، وأخيراً نفهم أننا خُلقنا لعبادة الله وليس لنخلَّد ونعيش، فلا يهم ما يحدث في رحلة العيش، بل ما فعلناه فيها، لأننا في الجنة بإذن الله سوف نعيش.
أولاً وقبل كل شيء، يأتي الملحن الأمريكي جون كيج عازف اللاشيء، بمقطوعة «الصمت» التي لم يعزف بها أي شيء، حيث اكتفى بالجلوس صامتاً لمدة 4 دقائق و33 ثانية، أمام البيانو دون لمسةٍ واحدة أو حركة ثانية! فأوضح كيف أن للصمتِ صوتاً، يشرح متى أصبح للحياة موتاً، وبهذا شكّلت ألحانه تغييراً جذرياً، وعلماً موسيقياً جديداً، وإن قوبلت محاولاته بالغضب والتشهير، فقد هاج الجمهور وطالبه بالتطهير، بينما استمر بدفعهم إلى حُسن الإصغاء، بعيداً عن الضوضاء والغوغاء، وذلك لأنه أنصت إلى حوار جهازه العصبي وإلى سريان دمائه في العروق، فأبصر الشمس دون الحاجة إلى الشروق.
يعتبر كيج من أهم مُلحني العصر الحديث، ولذا مهما طالت عنه السطور سيُختصر الحديث، هذا بغض النظر عن انهياره العائلي، وضعفه النفسي والداخلي، وإدمانه للمخدرات ومعاقرة الكحول، ليستيقظ بعد سبات أزماته ويسترد حياته من اللامعقول! وهكذا عاد بعد الإبعاد من جميع الأبعاد، ليصنع موسيقى لا تمس المشاعر ولا ترتبط بها، فلا تشعر بكراهيتها ولا بحبها، فهو لم يتبع مقاماً قط، ولم يسمع الإزعاج في الفوضى، بل تفهم الضجيج ورآه كالروضة، حتى إنه عزف «لحن المسامير»، بغرض التعمير لا التدمير!
قد يكون أكثر مَن فَهِم مِن الموسيقى شيئاً، وقد يكون أكثر مَن لم يفهم منها شيئاً.
الاسم: جون كيج
التاريخ:
1912 - 1992 (80 سنة)
الجنسية:
أمريكي
النشاط:موسيقي
من أعماله: 4:33
