عادي
سيمفونية قلم

(هللويا)

22:07 مساء
قراءة دقيقتين
1

إيمان الهاشمي

جميعنا ندرك أن هنالك خيطاً رفيعاً بين الصراحة والوقاحة، ولكن القليل جداً من يستطيع أن يميز الفرق بينهما بهدوء وراحة، أو بالأصح أن يميزهما بكل عقلانية ورجاحة، فوحده العقل الراجح من يقدر أن يقيس بدقة المساحة بين خطي السماحة والقباحة، ويعلم جيداً كيف يستخدم فن التغاضي والتغافل والإشاحة، ويفهم فعلياً أسباب ونتائج المنع أو الإتاحة، ويعرف تماماً متى يستوجب عليه المغادرة للاستراحة، أو متى يستعين بالصد والهجر والإزاحة، كما أنه يدرك أين تكمن نقاط الضعف المباحة، للتغلب على الخصم بشتى أساليب الإطاحة، وطبعاً بالأساليب المشروعة والمتاحة، وهذه هي القدرة الخارقة واللَّمّاحة، في استثمار الذكاء وقمة الفصاحة! عدا ذلك؛ سيعيش الناس بقلوب واهنة غير مرتاحة، وستكثر الشكوى من النفوس السفَّاحة والكلمات الذبَّاحة، وستهل أهوال الاستباحة والأفعال الفضَّاحة كالأعاصير المجتاحة، وبالتالي سنُحاصر بين السكوت المميت أو الرد المقيت... يا لهذه الفداحة! ولذلك يجب أن نتعلم فنون (المصارحة) مع مراعاة تحويل حرف الراء إلى لام في (المصالحة).

بين التهام الموسيقى وموسيقى الالتهام، في العهد الباروكي وحقبة الإلهام، وُلد الموسيقار (جورج هاندل) في سنة ميلاد (باخ) بالتمام، حيث أراد والده أن يصبح ابنه رجل قانون، فمنعه من التدريب وحرمه من الفنون، ولكنه تدرّب خلسة في العلية، ليصنع أنغاماً أزلية، وهكذا اكتسب الأفضلية، وغادر موطنه في ألمانيا، إلى وظيفته في بريطانيا، حيث قضى معظم عمره ومات فيها، ودفن معه أسراره التي يخفيها، والغريب أنه نجا من الموت المحقق عدة مرات، كتحطم مركبته ونجاته من تحت العجلات، وتعرضه لسكتة دماغية حادة، شَلَّت ذراعه اليمنى كالإبادة، كما أنه خلال مشاجرة مع صديقٍ له، تفادى طعنة سيفٍ عبر زر فوق ملبسه، والأغرب أنهما عادا أصدقاء! رغم حدة طبعه ومعاملته الهوجاء، فقد حمل مغنية «سوبرانو» وهدد بإلقائها من النافذة، إذا لم تنفذ تعليماته ببصيرةٍ نافذة! كما مزّق بكل قوته شعره المستعار، حين خذلته الأوركسترا إلى درجة العار، فقد امتلك أذناً حساسة رنانة ومُحصَّنة، حتى إنه لم يحتمل صوت «الدوزنة»، ولعل ذلك ما جعله نهماً للطعام والشراب، ومثيراً للبدانة حد الدهشة والاستغراب، إلى أن انتهى به المطاف فاقداً للبصر، بعدما عاش «رؤيةً» في ذلك العصر، حيث تعتبر مقطوعة (المسيح) أو (هللويا) أشهر مؤلفاته على الإطلاق، وإن ما زالت بقية أعماله مستمرة في الانطلاق.

جورج فريدريك هاندل
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/bynhet9w

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"