عادي
صدر في الشارقة

«شجرة الغاف».. بهجة الصحراء

23:52 مساء
قراءة 5 دقائق
عادل الكساري

الشارقة: عثمان حسن

كل ما يتعلق بشجرة الغاف في الشارقة وما جاورها من أماكن، وصولاً إلى مسميات هذه الشجرة ورمزيتها عند سكان الإمارات، فضلاً عن أقدم شجرة في دبا الحصن التي يصل عمرها إلى نحو مئتين وخمسين عاماً، نجده في كتاب «عيدان الغاف في الشارقة ومحيطها.. مسمياتها ومواقعها» من جمع وإعداد الباحث الدكتور عادل الكسادي، وصدر الكتاب عن معهد الشارقة للتراث.

اشتمل الكتاب على مقدمة واثني عشر باباً منها: النباتات في الشارقة، تعريف شجرة الغاف، مواطنها في إمارة الشارقة، مفردات أجزاء الغاف، أنواع ومسميات شجرة الغاف، أهميتها ورمزيتها في الثقافة الشعبية، حكاية غافة مصلى العيد في دبا الحصن وغيرها.

يبدأ د. عادل الكسادي بتوضيح أهمية الأشجار والنباتات في حياة الإنسان الإماراتي بالنظر إلى البيئة الصحراوية في الإمارات، وما يتخللها من بيئة زراعية تعتمد على مياه الأفلاج، وبيئة جبلية تتخللها بعض الأودية الزراعية والرعوية، في هذه البيئة تبرز شجرة الغاف التي تنتشر في المناطق الصحراوية والأودية الزراعية، ويؤكد د. الكسادي أن التنوع الجغرافي والإيكولوجي لمناطق الإمارات قد أدى إلى نمو وانتشار الأشجار والنباتات في الصحاري والواحات والوديان والسبخ والسهول والجبال ومناطق الأفلاج، والمؤلف يسلط الضوء على أسماء عشرات النباتات والأعشاب التي تنمو في الشارقة ومحيطها، كما يعرف شجرة الغاف بقوله: «هي شجرة كبيرة، دائمة الاخضرار، محلية تنمو في وسط الرمال، والسهول البرية، وأيضاً في الوديان وبين الجبال، والغاف من الأشجار الصحراوية التي تعشق الرمال».

والغافة كما جاء في معاجم اللغة: هي «نبات مخشوشب معمر من الفصيلة القرنية، بفروع كثيرة الشوك، أوراقه مركبة ريشية، ذات وريقات صغيرة، وأزهار قصيرة العنق، والثمرة قرن مستقيم حلو الطعم أملس».

  • مواطن

تتركز أشجار الغاف في المنطقة الوسطى في السهل الأوسط من جغرافيا الإمارات، «الشويب» شمالاً، مروراً ب «سيح الغريف» أو سهل المدام، وتنتشر على مساحة تقارب 50 كيلومتراً، مرورا بمليحة حتى الذيذ، وفي هذا السهل الأوسط توجد السيوح والوديان والهضاب والقرى والسهول والجبال والمرتفعات الرملية، كما يوجد الغاف في محيط مدينة الشارقة باتجاه دروب المنطقة الوسطى، والكاتب يوضح أن منطقة البطائح هي أكثر المناطق التي تتواجد فيها شجرة الغاف، وهي المنطقة التي تتميز بتضاريس رملية وعرة تتكون من هضاب ومرتفعات عالية وسيوح ووديان وبطاح يمكن عبورها من الجنوب إلى الشمال، وهي تتكون من جبال منعزلة كبيرة مثل جبال الفاية، وجبال مليحة، وقرون محافز وقرون طوي السامان وحصايا.

اتساع صحاري منطقة البطائح وتوافر موارد المياه القديمة فيها بشكل لافت، جعلها موطناً لشجر الغاف، خاصة أنه تنتشر فيها وديان عدة بينها: وادي «تاهل» وهو واد كبير مملوء بأشجار الغاف المعمر، وتصل أعمار بعض أشجاره إلى مئات السنين.

وهناك أنواع وأسماء مختلفة لأشجار الغاف في وادي تاهل منها: منازل، الدمية الطويلة، النمة، شرف بلخود، الدريات، دمية الكلاب وغيرها.. وهناك واد آخر اسمه «وادي القرحة» وهو من أكبر وديان الغاف في البطائح، بل في المنطقة الوسطى بأكملها، لكن أشجار الغاف فيه أقل جودة من غاف تاهل، ومن المناطق الأخرى في المنطقة الوسطى يذكر الكاتب: اليعيلة، عرافي، محاني، السعدية، محافز، وادي العيصية، الحوية، بنان وغيرها.

  • أنواع

ويعدد الكاتب أنواع أشجار الغاف، وهي تنقسم إلى نوعين (جيلة) وهي من الأنواع الجيدة التي يمكن تقطيعها لأنها من دون أشواك، والنوع الثاني (شبجة) وتتميز بغصونها الملأى بالأشواك، ويصعب تقطيعها، كما أن لشجرة الغاف في الإمارات أسماء عديدة حسب مراحل عمرها، حيث تسمى في صغرها (الحضيب) وإذا استوت وكبر عودها سميت (نشوة)، ثم تسمى (عود) أو (غافة) وتسمى مجموعة الغاف كذلك أعواداً أو كيلة، وتعرف شجرة الغاف أيضاً باسم (الشجرة المظلة) و (شجرة الكثبان).. ويورد الكاتب شرحاً مفصلاً لمعاني مسميات شجرة الغاف في اللهجة المحلية الإماراتية.

  • في الثقافة الشعبية

لشجرة الغاف مكانة مهمة في الثقافة الشعبية في الإمارات، هذه المكانة تبرز في الذاكرتين المكانية والزمانية، وقد نسجت حولها الكثير من أشكال التعبير الشفوي من أشعار وحكايات، وقيلت عنها عشرات الأمثلة وهي قريبة من الوجدان الشعبي، وتمتاز بمودة الناس وحبهم لها نظراً لفوائدها الكثيرة، ولما كانت تمثله من دور رئيسي في حياتهم القديمة. واستطاع الإنسان البدوي الذي يسكن الصحراء أن يتكيف مع بيئته المحلية، وأن يستثمر فوائد هذه الأشجار في البيئة الصحراوية وشبه الصحراوية، وأضحت مخزوناً لحكاياته ودليلاً جغرافياً ومكانياً للقوافل العابرة، أو أهل البادية أنفسهم عندما يجولون ويستقرون في الصحراء الشاسعة.

كان سكان البادية يستظلون بأشجار الغاف، ويستفيدون من أوراقها لحلالهم وأرزاقهم، وكانوا يستخدمونها لسد حاجاتهم الشخصية فيخلطونها مع الأرز والمرق وكانوا يتخذونها ملجأ ومقراً في كثير من الأوقات، وقد اتخذت ظلالها في الماضي خاصة في الواحات والمدن كأماكن للصلاة وتلاوة القرآن، هذا إلى جانب كون هذه الأشجار شكلت مكاناً مفضلاً للاحتفالات في الأعياد والمناسبات الاجتماعية المختلفة.

  • أسماء ومناطق

تسمى شجرة الغاف بأسماء الأماكن التي تتواجد فيها، أو بأسماء الأشخاص الذين ارتبطوا بها، أو سكنوا إلى جوارها، ومن هذه الأسماء المعروفة في الشارقة يذكر الكاتب: غافة بن كامل وتقع وسط الشارقة، وغافة عود الغبيبة، غافة عود عويشة، عند مصلى العيد في منطقة الحزام الأخضر، غافة أعواد خميس، غافات الفلج، أعواد المطحان، غاف عود العقرب في منطقة ياش مريم، وغيرها الكثير.

  • حكاية

من أشهر الغافات المعروفة في الشارقة، غافة دبا الحصن التي تضرب جذورها في التاريخ، ويقال إن عمرها يقدر بنحو مئتين وخمسين عاماً، وهي تقع في مكان يصفه الكاتب بالاستراتيجي، في حي السيح، ومكانها اليوم في موقع مركز الطفل بدبا الحصن وسميت «غافة المصلى» لقربها من مصلى العيد القديم المجاور للسور، والسور عبارة عن تل رملي مرتفع من الرمل الصلب.. كانت الغافة مكاناً لتجمع الأهالي وملتقى لزوار المنطقة، وفي فصل الصيف كان الأهالي يتخذونها مكاناً للراحة والاستجمام، ومكان الغافة هو مكان محبب لممارسة الحرف، وكانت الغافة بمثابة مكان لاستقبال المسافرين والقادمين قبل قيام دولة الإمارات، وقد لعبت غافة المصلى دوراً مهمّاً في الحياة الاقتصادية بمنطقة دبا الحصن، حيث كان القادمون من الإمارات الأخرى يعقدون تحتها الصفقات التجارية.

  • اقتباسات

- اختيار حكومة الإمارات شجرة الغاف شعاراً لعام التسامح نابع من فهم عميق لدورها الثقافي والاجتماعي.

- الغافة شجرة عملاقة، تقف على جذع قوي وصلب، وذات أفرع كثيرة وأغصان متدلية.

- كانت شجرة الغاف حلقة الوصل في حياة أهل الإمارات على امتداد القرون الماضية.

- الحنبل، هو ثمر الغافة وبه البذور، وتأكله الحيوانات أخضر وجافاً.

- قرع، هي أشجار الغاف المقطوعة قممها.

- غاف الفلج، غافة غير مقلمة لأنها داخل المدينة، لعدم مرور الإبل عليها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y9xa524v

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"