الدولار القوي يغيّر المعادلة

21:53 مساء
قراءة 3 دقائق

مايك دولان *

على الرغم من ارتفاع معظم أطياف التداول الجماعي في الأسابيع الأولى من العام، إلا أن هنالك أمراً ما حيّر المستثمرين العالميين، ألا وهو الانتعاش المفاجئ للدولار الأمريكي. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن هذا الارتداد لا يتناسب مع توقعات المحللين التي تتنبأ باتجاه هبوطي للعملة. 

وساهمت لقاحات «كوفيد-19» في إحداث انتعاش عالمي والتخفيف من الضغوط على الأنظمة المالية بشكل كبير، كما يبدو أن المخاطر السياسية حول الانتخابات الأمريكية قد مرت، مع مواصلة المجلس الاحتياطي الفيدرالي التفوق على المصارف المركزية الأخرى في شراء السندات وزيادة الميزانية العمومية. 

ووجد مديرو الصناديق العالمية في استطلاع أجراه بنك أوف أمريكا الشهر الماضي أن «بيع الدولار على المكشوف»، هو ثاني أكثر التداولات ازدحاماً في العالم، بعد أسهم التكنولوجيا الأمريكية. كما أبرمت صناديق التحوط في نهاية أول أسبوع من يناير الجاري أكبر صفقة بيع على المكشوف للدولار منذ أربعة أشهر تقريباً. 

إلا أن مزيجاً من هذه الأحداث، إضافة إلى ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأمريكية، التي تغذيها رهانات التحفيز المالي المتزايدة مع فوز الديمقراطيين بأغلبية مقاعد مجلس الشيوخ عن ولاية جورجيا، دفع المحللين إلى إعادة التفكير. 

وتخلى كل من «مورجان ستانلي» و«دويتشه بنك» عن توقعاتهما الأخيرة حيال ضعف الدولار على المدى القريب، حيث أشارا إلى أنهما يتخذان الآن موقفاً محايداً، حتى لو وصف «دويتشه» التغيير بأنه «تكتيكي» إلى حد كبير. ومع ذلك، رأى المستثمرون تحولاً مع الإعلان عن نتائج انتخابات مجلس الشيوخ، حيث تشير التوقعات المتعلقة بالسياسات المالية الجديدة إلى تخفيف الضغط عن الاحتياطي الفيدرالي. 

وقال ديفيد بيج، رئيس الأبحاث في شركة «أكسا انفستمنت مانجرز»: «إن احتمال وضع المزيد من السياسات المالية وتقليل التحفيز النقدي يجب أن يدعم الدولار الأمريكي». 

وعلى الرغم من أن مؤشر الدولار، الذي تجاهل فعلياً عوائد سندات الخزانة الأمريكية التي ارتفعت بشكل مطّرد منذ أغسطس، ارتفع بنسبة 1.5% هذا الأسبوع، مع ارتفاع عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات 25 نقطة أساس إلى أكثر من 1% منذ بداية مارس الماضي. 

وبارك نائب رئيس الاحتياطي الفيدرالي ريتشارد كلاريدا هذه الخطوة يوم الجمعة بالقول إن بنك الاحتياطي الفيدرالي ليس قلقاً بشأن ارتفاع عوائد السندات، مما يقوض أي تكهنات متعلقة بتبني الاحتياطي سقفاً صارماً لمستويات هذه العوائد. 

وبعد كل شيء، وفي حال أضاف اكتساح الديمقراطيين مجلس الشيوخ حافزاً مالياً، جنباً إلى جنب مع سياسات الاحتياطي الفيدرالي المتساهلة مع التضخم، فسيكون ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك مناسباً بما يكفي لدفع الأسهم والسلع بالاتجاه الصعودي، مما سيؤدي أيضاً إلى تراجع الدولار. 

ومع ارتفاع العوائد الاسمية للسندات، تحركت توقعات تضخم السوق بدرجة أقل لأن العوائد الحقيقية للسندات، أو المحمية من التضخم، ارتفعت أيضاً. وتجاوزت توقعات التضخم لمدة 10 سنوات في تلك المجموعة 2% لأول مرة منذ عامين، إلا أنها استقرت فوق هدف الاحتياطي الفيدرالي بنحو 2.10%. ولا تزال تلك المعدلات ضمن المستويات التي شهدناها على مدار السنوات العشر الماضية. 

وفي غضون ذلك، أدت كل التكهنات المالية إلى تعهد مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بالإبقاء على أسعار الفائدة بالقرب من الصفر، حتى عام 2023.

ومع وصول المعدلات الاسمية إلى الصفر، كان انخفاض العائد على سندات الخزانة لمدة 10 سنوات إلى أقل من سالب 1% محركاً قوياً لخفض قيمة الدولار العام الماضي. وفي حال وضع الاحتياطي الفيدرالي سقفاً للعائدات الاسمية، كان ذلك سيؤدي إلى تراجع العوائد إلى المنطقة السلبية، والذي من شأنه تخفيض قيمة الدولار. 

ويبقى الاتجاه الجديد للدولار حاسماً للظروف المالية العالمية في عالم لا يزال يعتمد بشدة على البنوك أو يقترض بالدولار، وحيث لا تزال الطاقة والسلع والكثير من التجارة مقومة بالدولار.

ومن الواضح أن التضخم المتفشي في الولايات المتحدة و«انخفاض قيمة الدولار» يشكلان عامل تغيير تاريخي للعبة، لكننا ما زلنا بعيدين جداً عن ذلك، في وقت نشهد فيه تذبذباً في أسواق أسعار الفائدة. 

* محرر الأسواق المالية في «رويترز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

محرر الأسواق المالية في «رويترز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"