الشارقة: علاء الدين محمود
«الناس في محبة الله عز وجل عام وخاص، فالعوام أحبوه لكثرة نعمه ودوام إحسانه، إلا أن محبتهم تقل وتكثر، وأما الخواص فأحبوه لما عرفوا من صفاته وأسمائه الحسنى، واستحق المحبة عندهم، لأنه أهل لها ولو أزال عنهم جميع النعم». (الجنيد البغدادي)
تلك الكلمات الطيبات التي تشع نوراًَ وتحتشد بفيوض المعاني الجميلة، هي للعلامة الجنيد البغدادي «215 -298 هـ»، وهو من علماء المسلمين وصوفي شهير، يعد من علماء أهل السنة والجماعة، إذ جمع بين قلب الصوفي وعقل الفقيه، واشتهر بلقب «سيد الطائفة». وعدَّه العلماء شيخ مذهب التصوف؛ لضبط مذهبه بقواعد الكتاب والسنة، ولكونه مصوناً من العقائد الذميمة، محميَّ الأساس من شُبه الغلاة، سالمًا من كل ما يوجب اعتراض الشرع. قال عنه أبو عبد الرحمن السلمي: «هو من أئمة القوم وسادتهم؛ مقبول على جميع الألسنة».
والمقولة تسافر بالمرء المؤمن الذي تعلق قلبه بالله تعالى إلى عوالم روحية بديعة تحفها الأنوار وتحتشد بأسرار الطريق إلى رب العالمين، وهو ما يصبو إليه كل مسلم، إذ يظل المرء العابد في شغل شاغل عن ملذات الحياة لا يرضيه إلا رضى الرحمن عنه، فتهفو روحه إليه وتتمنى لقاءه وهي تحمل من الزاد تقواه ومحبته.
ولعل أبلغ ما في هذه المقولة أنها صنعت «طبقات»، من المسلمين، لا يتصارعون بل يتنافسون في محبة الله تعالى والقرب منه، فهناك المسلم العادي من عوام الناس، الذي تكون محبته لرب العالمين بحسب أحواله في الدنيا وما يلقاه فيها من امتحانات ومصائب، فتقل وتكثر، وهناك حب من نوع آخر غير مشروط، فلا يتأثر صاحبه بشظف عيش أو مرض يصيبه أو نقص في الثمرات والأموال، أو غير ذلك من الابتلاءات، فهو على حبه لله عز وجل مقيم حتى وإن وجد في حياته من العنت والمشقة ما تنوء بها الجبال الراسيات، ومثل هؤلاء المسلمون هم من أصحاب المحبة الراسخة فقد عمر قلبهم بالإيمان إذ يحسبون أن كل شيء هو من عند الله تعالى، فإذا كان الناس في الحياة الدنيا ينقسمون إلى طبقات من الأثرياء والفقراء، فإن الجنيد يلعب في تلك المقولة على هذا التقسيم الدنيوي، ويعمل على قلبه، بحيث أن الغني هو من كثرت ثروته من حب الله تعالى وتراكمت، بينما الفقير من كان حبه قليلاً وشحيحاً.
والمقولة الشذرية تنتمي إلى أسلوب الجنيد البديع في الخطابة البلاغية التي تمكنه من دعوة الناس إلى التدين وترك ملذات الدنيا، والعمل من أجل لقاء الله تعالى بعمل صالح وقلب ممتلئ بالإيمان فقد كان يقول: «واحذر الحسرة عند نزول السكرة فإن الموت آتٍ وقد مات قبلك من مات» وظل ذلك ديدنه في الحياة، وطريقته في التصوف، فكان يحرض الناس على الزهد لكونه يهذب الأنفس ويجعلها متهيئة لتلقي المدد والأنوار الربانية والحكمة، فكان يقول: «اتق الله وليكن سعيك في دنياك لآخرتك، فإنه ليس لك من دنياك شيء، فلا تدخرن مالك، ولا تتبع نفسك ما قد علمت أنك تاركه خلفك ولكن تزود لِبُعْدِ الشُّقَّةِ، واعدد العدة أيام حياتك وطول مقامك قبل أن ينزل بك قضاء الله ما هو نازل فيحول دون الذي تريد، صاحِب الدنيا بجسدك، وفارقها بقلبك، ولينفعك ما قد رأيت مما سلف بين يديك من العمر وحال بين أهل الدنيا وبين ما هم فيه، فإنه عن قليل فناؤه، ومخوف وباله، وليزِدك إعجاب أهلها زهداً فيها وحذراً منها فإن الصالحين كذلك كانوا».
«الناس في محبة الله عز وجل عام وخاص، فالعوام أحبوه لكثرة نعمه ودوام إحسانه، إلا أن محبتهم تقل وتكثر، وأما الخواص فأحبوه لما عرفوا من صفاته وأسمائه الحسنى، واستحق المحبة عندهم، لأنه أهل لها ولو أزال عنهم جميع النعم». (الجنيد البغدادي)
تلك الكلمات الطيبات التي تشع نوراًَ وتحتشد بفيوض المعاني الجميلة، هي للعلامة الجنيد البغدادي «215 -298 هـ»، وهو من علماء المسلمين وصوفي شهير، يعد من علماء أهل السنة والجماعة، إذ جمع بين قلب الصوفي وعقل الفقيه، واشتهر بلقب «سيد الطائفة». وعدَّه العلماء شيخ مذهب التصوف؛ لضبط مذهبه بقواعد الكتاب والسنة، ولكونه مصوناً من العقائد الذميمة، محميَّ الأساس من شُبه الغلاة، سالمًا من كل ما يوجب اعتراض الشرع. قال عنه أبو عبد الرحمن السلمي: «هو من أئمة القوم وسادتهم؛ مقبول على جميع الألسنة».
والمقولة تسافر بالمرء المؤمن الذي تعلق قلبه بالله تعالى إلى عوالم روحية بديعة تحفها الأنوار وتحتشد بأسرار الطريق إلى رب العالمين، وهو ما يصبو إليه كل مسلم، إذ يظل المرء العابد في شغل شاغل عن ملذات الحياة لا يرضيه إلا رضى الرحمن عنه، فتهفو روحه إليه وتتمنى لقاءه وهي تحمل من الزاد تقواه ومحبته.
ولعل أبلغ ما في هذه المقولة أنها صنعت «طبقات»، من المسلمين، لا يتصارعون بل يتنافسون في محبة الله تعالى والقرب منه، فهناك المسلم العادي من عوام الناس، الذي تكون محبته لرب العالمين بحسب أحواله في الدنيا وما يلقاه فيها من امتحانات ومصائب، فتقل وتكثر، وهناك حب من نوع آخر غير مشروط، فلا يتأثر صاحبه بشظف عيش أو مرض يصيبه أو نقص في الثمرات والأموال، أو غير ذلك من الابتلاءات، فهو على حبه لله عز وجل مقيم حتى وإن وجد في حياته من العنت والمشقة ما تنوء بها الجبال الراسيات، ومثل هؤلاء المسلمون هم من أصحاب المحبة الراسخة فقد عمر قلبهم بالإيمان إذ يحسبون أن كل شيء هو من عند الله تعالى، فإذا كان الناس في الحياة الدنيا ينقسمون إلى طبقات من الأثرياء والفقراء، فإن الجنيد يلعب في تلك المقولة على هذا التقسيم الدنيوي، ويعمل على قلبه، بحيث أن الغني هو من كثرت ثروته من حب الله تعالى وتراكمت، بينما الفقير من كان حبه قليلاً وشحيحاً.
- دعوة
والمقولة الشذرية تنتمي إلى أسلوب الجنيد البديع في الخطابة البلاغية التي تمكنه من دعوة الناس إلى التدين وترك ملذات الدنيا، والعمل من أجل لقاء الله تعالى بعمل صالح وقلب ممتلئ بالإيمان فقد كان يقول: «واحذر الحسرة عند نزول السكرة فإن الموت آتٍ وقد مات قبلك من مات» وظل ذلك ديدنه في الحياة، وطريقته في التصوف، فكان يحرض الناس على الزهد لكونه يهذب الأنفس ويجعلها متهيئة لتلقي المدد والأنوار الربانية والحكمة، فكان يقول: «اتق الله وليكن سعيك في دنياك لآخرتك، فإنه ليس لك من دنياك شيء، فلا تدخرن مالك، ولا تتبع نفسك ما قد علمت أنك تاركه خلفك ولكن تزود لِبُعْدِ الشُّقَّةِ، واعدد العدة أيام حياتك وطول مقامك قبل أن ينزل بك قضاء الله ما هو نازل فيحول دون الذي تريد، صاحِب الدنيا بجسدك، وفارقها بقلبك، ولينفعك ما قد رأيت مما سلف بين يديك من العمر وحال بين أهل الدنيا وبين ما هم فيه، فإنه عن قليل فناؤه، ومخوف وباله، وليزِدك إعجاب أهلها زهداً فيها وحذراً منها فإن الصالحين كذلك كانوا».
- اعتدال