عادي
دفتر المبدع

إبراهيم مبارك: القراءة الآن «تيك أواي»

23:10 مساء
قراءة 4 دقائق
2405

الشارقة: علاء الدين محمود

يستعيد القاص إبراهيم مبارك مواقف كثيرة ومتنوعة مع القراءة وفعل الكتابة، ويشير إلى عدد من الأفكار التي شكلت تكوينه الثقافي والإبداعي، وجعلته يتوهج في مجال القصة القصيرة، حيث أعجب النقاد والكتاب بإبداعاته لدرجة أن وصفه المبدع الراحل ناصر جبران، بسنديانة السرد، ويتحدث عن حال الإبداع وانتشار قراءة ملخصات الكتب أو القراءة «التيك أواي»

في معرض حديثه عن النصوص الأولى مع بدايات تلمسه لطريق الكتابة الإبداعية، يشير مبارك إلى أن أول عمل له كان كتاب «الطحلب» وهو عبارة عن مجموعة قصصية، كانت قد نشرت في الصحف الإماراتية، وصدرت ككتاب عام 1987، وقد وجدت في ذلك الوقت صدى جيداً من قبل النقاد، واستقبلها المثقفون والكتاب بحفاوة كبيرة، ويلفت مبارك إلى أن تلك المجموعة كانت بداية المسير، لذلك لايزال يحمل تجاهها مشاعر وجدانية دافئة، فهي بمثابة مفتاح مكّنه من الدخول إلى عوالم السرد القصصي، وأوضح أن جميع الكتابات الإبداعية في ذلك الوقت كانت شديدة الارتباط بالواقع اليومي، حيث عملت على تسجيل وتوثيق كل ما هو موجود في المجتمع، ورصدت الحياة المحلية ومكوناتها وبيئتها وأساليب وطرق العيش في المدينة والبحر والسهل والصحراء والجبل، فقد كانت الكتابة تحيط بتفاصيل الوقائع الحياتية وتناقش الثقافة المجتمعية من عادات وتقاليد ومفاهيم، وكان ذلك هو الشغل الشاغل للأدباء الإماراتيين في ذلك الوقت، ويؤكد مبارك أن تلك الكثافة في تناول الحياة الاجتماعية نابعة من المحبة الكبيرة لأرض الإمارات، حيث كان المكان هو الثيمة الغالبة في الإنتاج الإبداعي القصصي.حياة بسيطة

يعود مبارك بذاكرته إلى الوراء، إلى حيث تلك المنابع الأولى التي شكلت ذاكرته وحفزته للكتابة عنها، وهي المتمثلة في الحياة الهانئة الوادعة التي عاشها في قرية أم سقيم في دبي، فقد تفتحت عيناه على مشاهد البحر والصيد، حيث كانت البساطة هي السائدة، والمحبة هي التي تجمع بين الناس، فتلك المشاهد الحميمية هي التي كانت بمثابة الدافع الكبير، فقد أراد مبارك التعبير بالكتابة من أجل الناس والحياة، ويقول: «لم أكتب من أجل أن أعلن نفسي، بل للآخرين من البسطاء وطرق عيشهم وتفاصيلهم وحركتهم اليومية في الحياة والعمل».

الأم

يشير مبارك، إلى أن أول عمل إبداعي قرأه وشده واستحوذ على اهتمامه كان رواية «الأم»، للكاتب الروسي مكسيم جوركي، فقد كانت الرواية تعبر عن روح ذلك العصر في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، وكذلك كانت هناك رواية «الحرب والسلام»، لتولستوي، وأشعار بوشكين، وكل كتابات أمريكا اللاتينية في المجالات الإبداعية، فتلك المؤلفات هي التي أسهمت بصورة كبيرة في تكوينه الثقافي والمعرفي، وجعلته يتجه نحو تبني قضايا بعينها، وبيّن أن جيله من الكتاب والفنانين كان لديهم خط والتزام طليعي تجاه المجتمع، هو أقرب إلى دور «المثقف العضوي»، حيث كانت الأعمال الأدبية تقوم بعمليتي رصد الواقع ونقده، ويقول: «الكتابة عملية تنويرية، تصب في اتجاه مقاومة الجهل والتخلف ومحاربة الأفكار المستلبة والتقاليد البالية، ولابد للمبدع أن يتسلح بالمنهج والقراءات التي تخدم قضيته»، ويؤكد مبارك أن الكتابة هي فيض القراءة، وترجمة لما يفكر فيه المؤلف.

ويلاحظ مبارك، أن معظم كتابات اليوم يظهر فيها الجانب الشخصي أكثر، حيث يعمل المؤلفون على تقديم أنفسهم بعكس ما كان يحدث في الماضي عندما كان الكاتب يكتب عن الآخر وعن مختلف القضايا، وأشار إلى عدم وجود تواصل بين الأجيال من الكتاب في الوقت الراهن، وقد ساعدت التطورات في مجال التقنيات وانتشار ما بات يعرف بمواقع التواصل الاجتماعي، على استسهال الكتابة، فالجميع يريد أن يكتب، والكل يريد أن يصبح مبدعاً دون دافع ولا قضية ولا موضوع، ويلفت مبارك إلى وجود بعض المؤلفين الجدد من جيل الشباب بمواهب إبداعية جيدة، غير أن الإبداع في هذا العصر الحالي حيث المتغيرات الكبرى والسريعة وثقافة الاستهلاك يمثل تحدياً وإشكالاً حقيقياً في ظل ما يسود من مشاعر قلق وتشظي وفردانية، فتلك قضايا مهمة يجب أن يتصدى لها الأدب، إضافة إلى دوره في تناول ضرورة وأهمية السلم والتسامح في زمن الصراع والحروب.

ويؤكد مبارك أهمية وضرورة القراءة المتعمقة والمفسرة والمفككة والتي تمارس التأويل والنقاش مع النص، فما يحدث اليوم أن هناك قلة تقرأ فيما يقوم البعض بالاطلاع على ما يسمى بملخصات الكتب في بعض المواقع والتطبيقات، في عصر «التيك أواي»، والتي صارت مهمتها أن تعطي ملخصاً وفكرة عن الكتاب دون تناول عميق له، وذلك الأمر يؤثر في الثقافة وحصيلة المعارف.

علم النفس

يشير مبارك إلى ضرورة أن يتسلح الكاتب بالتعمق في القراءات الفلسفية ومجال علم النفس، حيث كان يقبل على قراءة الكتب ذات الطابع الفلسفي في بداياته، لافتاً إلى أنه درس ويحمل شهادة في علم النفس، وذلك الأمر قد أفاده كثيراً في مشروعه السردي.

ويكشف مبارك عن مشروع كتابة جديدة يعمل عليها ويقول: «هي ليست كتابة سردية أو أدبية، بل تأخذ طابع المقال من وحي تأملاتي في الواقع العالمي والمحلي»، ويلفت إلى أهمية أن تكون هناك كتابة معنية بتفسير ما يجري في العالم من تحولات عميقة ذات تأثير في الإنسانية والثقافة والمجتمعات في هذا العصر الذي يتسم بالسرعة وانتشار التقنيات الحديثة، أو ما بات يعرف بزمن العولمة، الذي يفجر الكثير والمزيد من الأسئلة في أفق المبدعين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"