عادي
على هامش الحكاية

تعرف إلى أشهر سرير أسطوري

23:50 مساء
قراءة دقيقتين
666

الشارقة: «الخليج»

الحكايات الأسطورية القديمة تظل باقية بين الناس في مختلف شعوب الأرض، وتستخدم في الحكمة ومقاربة الفكرة وضرب الأمثال للاستشهاد والدلالة، والملاحظة الجديرة بالاهتمام، أن تلك القصص صارت توظف في صراعات الأيديولوجيات والفلسفات المتعارضة من أجل أن يقيم كل فريق الحجة على الآخر، وذلك لأن الحكايات نفسها تتضمن رموزاً وإشارات تصلح أن توظف في المحاججة والجدل.

«سرير بروكرست»، هي حكاية أسطورية من الأزمنة الغابرة، وبحسب القصة فإن بروكرست ابن سيدون، كان يعمل حداداً، وكان يقيم في معقله الحصين في جبل «كوريدالوس» الموجود على الطريق بين أثينا ومدينة إلفسينا في زمان الإغريق، وكان ذلك الرجل يملك سريراً حديدياً في بيته، وعندما يمر مسافر بالمنطقة، يعترض بروكرست سبيله ويدعوه إلى النوم عليه، وكان مهووساً بأهمية أن يناسب طول الضيف السرير، فإذا كان المسافر أطول منه، قام بروكرست بقطع أرجله ليتناسب مع السرير، وإذا كان أقصر من السرير مط جسم الضحية حتى تتكسر مفاصله حتى يساوي طول جسده السرير بالضبط.

وظل الرجل غريب الأطوار على هذه الحالة يحرس الطريق مثله مثل قطاع الطرق ليستدرج العابرين، وما كان لأحد منهم أن ينجو من ذلك المصير، واستمر بروكرست يمارس تلك الجرائم المروعة وانتشر خبره في كل الأصقاع، لكن حظه العاثر أوقعه يوماً في مسافر من نوع خاص؛ إنه البطل الأثيني تيسي، الذي قام بقتله بنفس طريقة التعذيب التي كان يمارسها على ضحاياه؛ أي التمدد على السرير والبدء في بتر ما لا يتناسب مع مقاس السرير، فكان أن قطع رأسه ليناسب الجسد مساحة السرير.

وصارت الحكاية مقولة ومثلاً يضرب في لحظة التصلب والثبات غير المنطقي على رأي وموقف معين، بل وصارت «البروكرستية» نزعة تقال في حالة فرض القوالب الجاهزة على الأشياء والأشخاص، وكذلك تقال عند محاولة لي الحقائق أو تشويه المعطيات لكي تتناسب قسراً مع مخطط ذهني مسبق، ف«البروكرستية» تشير إلى محاولة التطابق المتعسف، وكل أشكال مغالطة الواقع.

وأصبحت الأفكار المتنافسة ترمي بعضها بعضاً ب«البروكرستية»، فالليبرالي يتهم الاشتراكيين بأنهم يحاولون فرض التجانس والمساوة المطلقة على الناس، بحيث تضع الجميع في قالب واحد من دون مراعاة لحقيقة اختلافاتهم، كما يرى بذلك الفيلسوف البريطاني أنطوني فلو، الذي يسمي تلك العملية ب«البروكرستية الاشتراكية»، وكذلك تطلق على الجماعات العقائدية المتشددة التي تريد أن ترفض أفكارها دون النظر إلى اختلافات الناس.

القصة ولئن كانت تردد بكثرة في حقل الفلسفة، في حالة المقاربات والتشبيهات، فقد صارت تستخدم أيضاً في حقل الأدب، خاصة في مجال النقد، حيث يضرب المثل بالناقد الذي يريد أن تكون القصيدة أو الرواية على مقاس أدواته النقدية بأنه كمثل «بروكرست»، بل وتم توظيف الحكاية داخل النصوص الروائية والشعرية لذات الدلالات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"