عادي
حياته في حد ذاتها بؤس متواصل

«إدجار آلان بو».. جثة ملقاة في الطريق

23:12 مساء
قراءة 3 دقائق
لوحة كآبة لإدوارد مونخ

اشتهر «إدجار آلان بو» بكتاباته في الرعب القوطي؛ حيث الغموض والشر والظلام، حياته في حد ذاتها بؤس متواصل، هجره أبوه، وماتت أمه.. أدمن الخمر بعد وفاة زوجته، ومات في الأربعين وعُثر على جثته ملقاة في الطريق، ولا يزال الغموض يحيط بسر موته؛ فجميع سجلاته الطبية اختفت بعد موته، بشكل مريب.

ولد إدجار آلان بو في بوسطن في 19 يناير/ كانون الثاني 1809 كان أبوه وأمه يعملان ممثلين، وهجر الأب زوجته تاركاً إياها تكافح الفقر وحدها، فماتت بالسل، والإخوة لا يزالون أطفالاً، تكفل بهم بعض أصدقاء الأسرة، وكان من نصيب بو أن تتبناه السيدة جون آلان وزوجها عامل التبغ، واقتضت مصالح الأسرة أن يسافر الجميع إلى إنجلترا، فأقاموا فيها من سنة 1815 إلى 1820 لكن الأسرة عادت إلى أمريكا بدافع الأزمة المالية والمرض.

اشتهر بو بقصصه الكثيرة ومنها: («انهيار منزل أشر» 1839، و «الحشرة الذهبية» 1843، و «الليلة الألف واثنتين لشهرزاد» 1850، و«بضع كلمات مع مومياء» 1845 وغيرها).

كانت العودة فاتحة حياة أليمة لإدجار، فقد غدا رب الأسرة قاسياً عليه، ينتقده كثيراً، ويضن عليه بالنفقات، لكنه عندما بلغ السادسة عشرة أصبح وقاد الذهن، وعندما أحس بقلة المال في يديه، أخذ يقامر في يأس مع زملائه الطلاب، وخسر، وتراكمت عليه الديون، ولما ضاقت به الحياة، أبحر إلى بوسطن وهناك التقى صاحب مطبعة شاب، نشر له أولى قصائده «تيمور لنك وقصائد أخرى» وكان يوقعها آنذاك باسم «البوسطني» ثم التحق بالجيش الأمريكي وأعجبته حياة الجندية.

في سنة 1829 نشر مجموعته الثانية «الأعراف» وبعد عامين نشر مجموعة ثالثة مقدمة إلى طلاب الكلية الحربية الأمريكية، لكن الطلاب امتعضوا من قصائدها، واضطر أن يلجأ إلى عمته في بيتها الصغير الواقع في بالتيمور، وهنا شاطر أخاه المريض بالسل المعيشة في غرفة حقيرة، وكانت عمته ذاتها تعاني الفقر الشديد وضيق العيش.

أب القصة الحديثة

وبلغ الخامسة والعشرين وأصبح الأدب مهنته التي يعتاش منها، ودفعته عاداته الشاذة إلى الهاوية، فقد وظيفته في إحدى المجلات وهو في أوج شهرته، وفي تلك الأثناء سقطت زوجته بداء السل، وحينئذ نشر قصيدته الشهيرة «الغراب» وذاع صيته بعدها، ونصحه الأطباء بأن يبتعد عن الإدمان الذي يعرض دماغه إلى خطر حقيقي، وحل اليوم المشؤوم حين عاد إلى بالتيمور وكانت المدينة منهكة من الانتخابات البلدية والشوارع تغص بالأغراب، وفي ثاني يوم من الانتخابات عثر عليه وهو مستلقٍ على مقعد في الشارع؛ حيث مات بعد أيام قلائل في السابع من شهر أكتوبر سنة 1849.

يعد بو أبو القصة الحديثة، وحين مضت مئة عام على وفاته صدرت أول ترجمة عربية لمجموعته القصصية القصيرة «القط الأسود» على يدي «نجاتي صدقي» (صدرت الطبعة الأولى في بيروت عام 1954 وأعادت دار المحروسة في مصر طباعتها حالياً) وتحمل القصص طابعاً عقلياً فريداً من نوعه، فتبدو لقارئ تشاؤمية في حين أنها تعمد إلى تصوير أحاسيس المرء وتخيلاته القائمة أروع تصوير، ولاندفاع الكاتب في هذا التيار أسباب تكمن في نفسه منذ أن فتح عينيه في هذا العالم، فقد حرم من أبويه وهو لا يزال في سني الطفولة.

بدأ بو حياته شاعراً، لكنه لم يجد ما يستحقه من تشجيع، ولم يدر عليه الشعر دخلاً، فانصرف إلى فن القصة، فكتب نحو 70قصة ما بين قصيرة وطويلة، حملت في طياتها مدرسة خاصة، وعبدت الطرق أمام كتّاب القصة القصيرة في العالم قاطبة.

أدب الجنون

إدجار آلان بو أستاذ بارع في قصص الرعب والجنون والجريمة والموت، وهو يهز مشاعر قارئه بشكل مثير، لكنه غريب عن الطبيعة البشرية في جوهرها، وكان في حياته مناضلاً من أجل الحقيقة والعدل والشرف.

حياته قصة رجل جاء عالماً تتزاحم فيه أشباح البؤس والألم بالمناكب، وقد خرج منه فاقد الأعصاب، فاقد الوعي، لكنه ترك ثروة قصصية وشعرية جعلته في مصاف الخالدين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"