عادي

عذب الكلام

22:06 مساء
قراءة 3 دقائق
1904

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أم اللغات

الإرْصادُ في البلاغة، أنْ يكونَ مَبدأُ الكلامِ يُنْبئ عَنْ مَقطعه، وأوّلُهُ يُخبرُ بآخرهِ، وصَدْرُهُ يَشْهدُ بِعَجُزِه؛ ومنه قولُ الرّاعي النّميري:

عَصا كَرَمٍ وَرَثناها أَبانا

وَنورِثُها إِذا مِتْنا بَنينا

وَإِنْ وُزِنَ الحَصى فَوَزَنتُ قَوْمي

وَجَدتُ حَصى ضَريبَتِهِم رَزينا

فإذا سَمعَ الإنسانُ أوّلَ البَيْتِ الثاني، وقد تقدّمتْ عِنْده قافيةُ القصيدةِ، استخرجَ لفظَ قافيتهِ، لأنّه عَرفَ أنّ قوله «وُزنَ الحَصى» سيأتي بَعْده «رَزين»، لأنّ قافيةَ القصيدةِ توحيه. ثمّ إنّ مَنْ يُفاخرُ برجاحةِ الحَصى، ينبغي أن يصفهُ بالرّزانة.

ومنه قولُ البُحتريّ:

صِلي مُغْرَماً قَدْ واصَلَ الشَّوْقُ دَمعَهُ

سِجاماً عَلى الخَدَّينِ بَعْدَ سِجامِ

فَلَيسَ الَّذي حَلَّلتِهِ بِمُحَلَّلٍ

وَلَيسَ الَّذي حَرَّمتِهِ بِحَرامِ

دُرر النّظم والنّثر

إنَّ الَّتي زَعَمَتْ

عروة بن أُذَينة (من الكامل)

إنَّ الَّتي زَعَمَتْ فُؤادَكَ مَلَّها

خُلِقَتْ هَواكَ كَما خُلِقْتَ هَوىً لَها

فيكَ الَّذي زَعَمَتْ بها، وكِلاكُما

أبْدَى لِصاحِبِهِ الصَّبابةَ كُلَّها

ويَبِيتُ بَيْنَ جَوانِحِي حُبٌّ لَها

لَوْ كانَ تَحْتَ فِراشِها لَأَقَلَّها

ولَعَمْرُها لَوْ كانَ حُبُّكَ فَوْقَها

يَوْماً وقَدْ ضَحِيَتْ إذنْ لَأَظَلَّها

وإذا وَجَدْتُ لَها وَساوِسَ سَلْوةٍ

شَفَعَ الفُؤادُ إلى الضَّمِيرِ فَسَلَّها

بَيْضاءُ باكَرَها النَّعِيمُ فَصاغَها

بلَباقةٍ فأدَقَّها وأجَلَّها

لمَّا عَرَضْتُ مُسَلِّماً ليَ حاجةٌ

أرجُو مَعُونتَها وأخشَى دَلَّها

حَجَبَتْ تَحِيَّتَها، فقُلْتُ لصاحبِي:

ما كانَ أكْثَرَها لنا وأقَلَّها

فَدَنا فقالَ: لعلَّها مَعْذُورةٌ

في بَعْضِ رِقْبَتِها، فقُلْتُ: لعلَّها

من أسرار العربية

أولى مَراتبِ الحُبِّ: الهوى. ثمَّ العَلاقةُ: وهي الحُبُّ اللَّازمُ للقلب. ثمَّ الكَلَفُ: وهو شِدَّةُ الحبِّ. ثمَّ العِشْقُ: وهو اسمٌ لِمَا فَضَلَ عنِ المِقْدارِ الَّذي اسمُه الحبُّ. ثمَّ الشَّعَفُ: وهو إحراقُ الحُبِّ القلبَ معَ لَذَّةٍ يَجِدُها، وكذلك اللَّوْعةُ واللَّاعِجُ؛ فإنَّ هذينِ حُرْقةُ الهوى، وهذا هو الهوى المُحْرِق. ثمَّ الشَّغَفُ: وهو أنْ يَبْلُغَ الحبُّ شَغَافَ القلبِ؛ وهي جِلْدةٌ دُونَه. ثمَّ الجَوى، وهو الهوى الباطن. ثمَّ التَّيْمُ: وهو أنْ يَستَعْبِدَه الحبُّ، ومنه سُمِّيَ «تَيْمُ اللهِ»؛ أي: عبدُ الله، ومنه: «رَجُلٌ مُتَيَّم». ثمَّ التَّبْلُ: وهو أنْ يُسْقِمَه الهوى، ومنه: «رَجُلٌ مَتْبُول». ومنه قولُ كعب بن زهير:

بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتْبولُ

مُتَيَّمٌ إِثرَها لَمْ يُجْزَ مَكبولُ

ثمَّ التَّدْلِيهُ: وهو ذهابُ العقلِ منَ الهوى، ومنه: «رَجُلٌ مُدَلَّه». ثمَّ الهُيُومُ: وهو أنْ يَذهَبَ على وَجْهِه لغَلَبةِ الهوى عليه، ومنه: «رَجُلٌ هائِم».

هفوة وتصويب

كثيراً ما نسمعُ هذه العِبارة «وانْزلقَ إلى حافَّة الهاوية»، بفتحِ الفاء وتشديدها، ويقصدون عُمقها؛ وهي خطأ، والصّواب «انزلقَ مِنْ حافَة الهاويةِ وسَقط» بالفاء المَفتوحة المخفّفة، أي مِن طَرفها.أما الحافَّة (بتشديد الفاء)، ففعْلُها حَفَّ يحُفُّ إذا أحاطَ بالشيء. وحَفَّ القومُ بالشيء وحَوالَيْه يَحُفُّونَ حَفّاً وحَفُّوه وحَفَّفوه: أَحْدَقُوا به وأَطافُوا به.

كُثُرٌ لا يفرّقون في اللفظ بين «تضافرت وتظافرت».. وفي صحيح اللغة: تَضافرت من: ضَفَرَ يَضْفِر ضَفْراً الشَّعَرَ ونحوَه: جَمَعَه وضمَّ بَعضَهُ إلى بَعْض، وجعلهُ ضَفائِر، وهذا جمعٌ مفردُه ضَفِيرة، أي الخَصْلة من الشعَر المَضْفورة برَبْطها مع الضفائر المماثلة. وعلى ذلك فالمعنى هو الرَّبطُ والجَمعُ بإحكام. لذلك نقول «تَضافرتِ الجهود».. أما «تظافرت» بالظاء، فمشتقةٌ من «الظَّفَر» أي النّصْرِ والحُصولِ على المُراد. وتُستَعْمَل في تبادل النّصر،أي تناصرَتْ وتعاونتْ، وساعدَ بعضُها بعضاً.

أمثال العرب

فَلا وَاللَهِ ما في العَيْشِ خَيْرٌ

وَلا الدُّنْيا إِذا ذَهَبَ الحَياءُ

إِذا لَمْ تَخشَ عاقِبَةَ اللَيالي

وَلَمْ تَستَحْيِ فَافعَلْ ما تَشاءُ

البيتان لأبي تمَّام، يشدّدُ فيهما على شيمةِ الحياءِ التي هي أُسٌّ من أُسس القِيم؛ ويقولُ إذا ذهبتْ من الإنسانِ، فلا قيمةَ لهُ ولا شأن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"