عادي

في التحليل النفسي.. التخييل والأمراض السلوكية

23:35 مساء
قراءة دقيقتين

القاهرة: الخليج
ساد الاعتقاد قديماً بأن الأمراض المختلفة تسببها قوى خفية وشريرة، تسكن الجسد، وتغير من أحواله، ولا سبيل إلى تحرره إلا بالتعاويذ وإقامة الطقوس السحرية، وهناك مؤلفات قديمة بها إلماحات جادة، وبدايات هادئة صوب العلمية القائمة على الملاحظة، ففي الشرق الأقصى منذ 4500 عام تقريباً، كان هناك مؤلف كلاسيكي لإمبراطور الصين «هوانج تي» تضمن إشارات نحو إمكانية إصابة الأفراد بأمراض جسمية ناتجة لما يتعرضون له من إحباط، وأوصى بالكشف والتعرف إلى رغبات وأفكار الأفراد، وعندئذ سنجد أن من يحوز الروح والطاقة يزدهر، وأن من لا يملكها يبيد ويندثر.

تؤكد آمال كمال في كتابها «في التحليل النفسي التخييل والأمراض السيكوسوماتية» أن مقولة سقراط «اعرف نفسك» لم تزل منقوشة على معبد دلفي، وبها صعدت الإنسانية درجة صوب المعرفة، وسقراط صاحب تلك الوجهة هو أول من أنذر قومه بأنه قد رأى أقواماً أكثر تقدماً منهم؛ لأنهم يقرون بأن الجسد لا يمكن له الشفاء، بدون مراعاة أحوال النفس.

يضيف سقراط أنه «من غير اللائق أن يتم علاج الجسد بمعزل عن علاج الرأس ولا علاج للرأس بمعزل عن الجسد، ولا أي منهما بدون الروح»، وقد استطاع بمنهجيته تلك أن يعالج ملك مقدونيا من مرضه الجسمي عبر تحليل أحلامه، وعلى عكس أفلاطون صاحب الانفصال بين النفس والجسد، ذهب تلميذه أرسطو إلى القول إن النفس مرتبطة بالجسد ارتباطاً وثيقاً، ولا تؤدي وظائفها إلا بحضوره، كما أن انفعالات مثل الغضب والخوف والفرح والطموح والبغض، لا يمكن أن تصدر عن النفس وحدها، ففي الوقت الذي يحدث فيه انفعال نفسي يواكبه تغييرات في الجسد.

العلوم الطبيعية

وجاء العصر الوسيط وحمل معه جدلية الإيمان والعقل ومحاولات التوفيق بينهما، وتشربت النظرة إلى الإنسان بالأيديولوجية الدينية، وانقسمت آراء الفلاسفة حول مفهوم الوحدة والتكامل، وقدّم لنا ديكارت رائد الثنائية في الفلسفة الحديثة، حججه الثلاث الشهيرة في الكشف عن علاقة النفس بالجسد، والمطلع على كتابات ابن سينا يجد أنه تعود إليه المحاولات الجادة لوضع البذور العلمية الأولى لعلم النفس عن طريق كشفه لأهمية العوامل النفسية في نشأة وعلاج الأمراض الجسمية.

وفي الفترة من 1500 إلى 1700 عاد الاهتمام بالعلوم الطبيعية، وحدث تقدم واسع في علم التشريح والدراسات الميكروسكوبية، بينما أهملت دراسات تأثير النفس في الجسم، وارتدت دراسة النفس ثانية إلى الدين والفلسفة، وعاد الاهتمام بدراسة النفس مرة أخرى، عبر المناهج التجريبية في العلوم العضوية والطبية، ويؤرخ لذلك فيما بعد منتصف القرن ال 18.

ومع مطلع القرن العشرين الذي زخر بالعديد من الاكتشافات العلمية والتغييرات الاجتماعية اتخذت النظرة إلى الإنسان شأناً آخر، فالفيلسوف الوجودي «غبريل مارسيل» يرى: «إنني موجود بوصفي جسداً أي باعتباري كائناً متجسداً، تمثل خبرة البدن وخبرة النفس بالنسبة له ظاهرتين لا سبيل للفصل بينهما على الإطلاق». ويتناول هذا الكتاب تطور مفهوم التخييل في التحليل النفسي منذ كتابات فرويد الأولى، وميلاني كلاين ومريديهما، وإسهامات المدرسة الفرنسية، كما يعرض لنشأة التخييل وأنواع التخييلات ووظيفتها وطبيعتها السوية والمرضية، وعلاقة التخييل بكل من الواقع والأحلام والتفكير والإدراك الحسي والذاكرة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"