عادي
أحد رواد الفن الطليعي

«التركيب الثامن» لكاندينسكي.. دلالات حسية للشكل واللون

00:09 صباحا
قراءة 4 دقائق
لوحة «التركيب الثامن»

الشارقة: عثمان حسن
«فاسيلي كاندينسكي» (1866 - 1944) هو فنان روسي ولد لعائلة ثرية في موسكو. هو أحد رموز التعبيرية والرمزية والمحسوب على مدرسة ألباهاوس الألمانية، وهو أحد أحد أشهر فناني القرن العشرين، أهلته اكتشافاته في مجال الفن التجريدي، ليكون واحداً من أهم المبتكرين والمجددين في الفن الحديث.

في طفولته وشبابه كان كاندينسكي مهتماً برسم أنماط مختلفة بدأت بالمناظر الطبيعية المجردة، قبل الانتقال إلى الفن الحديث بأشكاله وخطوطه. كان اللون دائماً عنصراً مهماً في أعماله، وقد استحوذ على تفكيره لسنوات لاحقة في حياته.

من اللوحات الشهيرة لكاندينسكي واحدة بعنوان «التركيب الثامن» كما تدعى أحياناً «النموذج 8» وهي تكرس هوس كاندينسكي مع التجريدية خاصة في الأشكال والخطوط المتداخلة لإنتاج عمل فني نهائي مبهج، وهي سلسلة لأعمال أنجزها كاندينسكي في فترات متلاحقة بدأت من عام 1923 حتى منتصف الثلاثينيات، وكرسته واحداً من الفنانين الذين تعاملوا مع الخطوط والأشكال، تبعاً لدلالاتها الحسية وإيقاعاتها النغمية والإيقاعية بأسلوب لم يجربه فنان من قبل.

1
فاسيلي كاندينسكي

تفاصيل

كانت «النموذج الثامن» تطبيقاً عملياً يعكس فهم كاندينسكي للأشكال الهندسية، وما تخلقه من تفاعلية لونية نابضة بالحياة، وتتسم بالحيوية والهدوء والصخب، وفي اللوحة تلعب الدوائر دوراً مهيمناً كما هو في أعماله اللاحقة، هذه الدوائر عند كاندينسكي تبلغ ذروتها بصورتها الكونية والمتناسقة، وكاندينسكي يزعم أن الدائرة هي مزيج من أكبر التناقضات، فهي تجمع بين مركزيتها وغرابة أطوارها في ذات الشكل الواحد، وفي توازنها أيضا، وفي اللوحة أشكال تجمع بين المثلث والمربع والمستطيل وأنصاف الدوائر والمثلثات، حيث تقدم «النموذج 8» تبايناً مجرداً بين الهدوء والفوضى، من خلال تداخل الأشكال والخطوط.

أنجز كاندينسكي اللوحة في عام 1923، وهي لوحة زيتية على قماش، عززت أسلوبه التجريدي في الرسم، وفيها تظهر مجموعة متنوعة من الأشكال الهندسية والألوان والخطوط المستقيمة والمنحنية على خلفية منقطة زرقاء وشاحبة، ويتوافق استخدام الدوائر والشبكات والمستطيلات وأنصاف الدوائر والمثلثات والأشكال الرياضية الأخرى في العمل الفني، مع قناعة كاندينسكي بالخصائص الغامضة للأشكال الهندسية، بينما يتم اختيار الألوان المعروضة لتأثيرها العاطفي.

خصائص

من أبرز سمات اللوحة، وجود دائرة أرجوانية داخل دائرة سوداء تحيط بها هالة مزدوجة الطبقات من اللون الوردي والبرتقالي، في الزاوية العلوية اليسرى من اللوحة، وهناك الحواف الغامضة كهالة تشبه في مظهرها الهالة المحيطة بالشمس المكسوفة، التي تقف في تناقض صارخ مع الخطوط النظيفة للدائرة السوداء مع قلبها الأرجواني. ثمة دائرة حمراء تنبثق من أسفل يمين محيط الدائرة السوداء وتتقاطع مع هالتها، تحدها هالة صفراء خاصة بها تختلط باللون الوردي والبرتقالي للشكل المجاور. وهناك دائرة صفراء، يحدها خط أسود رفيع في الثلث السفلي من اللوحة، بها هالة تتكون من طبقة داخلية زرقاء وطبقة خارجية أرجوانية. ومن يدقق في اللوحة يلحظ دائرة زرقاء قريباً من أسفل وسط اللوحة، محاطة بحلقة ملتهبة صفراء. وعلى النقيض من ذلك، فإن الدوائر الموجودة على يمين اللوحة لا تحتوي على أية هالات، وقد استخدمت الدوائر من قبل كاندينسكي لتمثيل رمزية الكواكب، وأصبح هذا شائعاً خلال مرحلة انهماكه بالتجريد.

تظهر واحدة من ثلاث شبكات، مكونة من رباعي الأضلاع، ومرتبة في شكل يذكر بمبنى شاهق، على الجانب الأيسر من اللوحة، وتظهر تحت مثلث أزرق باهت محاط بالأسود، ومشكل جزئياً ويتلاشى في الخلفية. mتعرض اللوحة اليوم في متحف غوغنهايم في نيويورك، الولايات المتحدة.

كان رسم «الهالة» الضوئية موضوعاً فنياً متكرراً عبر العصور، وعبر العديد من الثقافات، ولها أكثر من معنى، وهي مفتوحة لتفسيرات مختلفة، يمثل الضوء في بعض التقاليد الروحية والفلسفية وعياً متقدماً، بينما يمكن اعتبار الشخص الذي ينعم بنور العقل مستنيراً.

الدائرة السوداء

كان هناك 6 كسوفات للشمس بين عامي 1921 و 1923، وحدث اثنان في عام إنشاء اللوحة، والتي ربما كانت مصدر إلهام لكاندينسكي، فظهرت عنده الدائرة السوداء بإكليلها الوردي والبرتقالي. والأسود، وفقاً لنظرية كاندينسكي الصوتية للألوان، يشير إلى الصمت الخارجي، بينما يشير اللون البرتقالي إلى أعلى درجات الصوت كما يمكن تفسير اللون الوردي كمزيج من الأحمر والأبيض، على أنه الصوت الذي يهدئ الأصوات المتنافرة، أو يخفف النغمات الأكثر قسوة.

ماليفيتش

كانت فكرة «المربع الأسود» في لوحة كاندينسكي مستلهمة من الفن الروسي الطليعي وتجريده الغنائي، وخاصة عند الفنان الروسي كازيمير ماليفيتش أحد رواد الفن التجريدي الهندسي الذي رسم لوحة بعنوان «المربع الأسود» في عام 1915.

سيرة

عندما عاد كاندينسكي إلى مسقط رأسه موسكو بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، خضع أسلوبه التجريدي التعبيري لتغييرات عكست التجارب الفنية المثالية للطليعة الروسية، كالتركيز على الأشكال الهندسية، الذي روج له فنانون مثل: كازيمير ماليفيتش، وألكسندر رودشينكو، وليوبوف بوبوفا في محاولة لتأسيس لغة جمالية عالمية، وهذا ألهمه لتوسيع مفرداته التصويرية. كان إيمان كاندينسكي بالمحتوى التعبيري للأشكال المجردة، سبباً في ابتعاده عن أغلبية زملائه الروس، الذين دافعوا عن مبادئ أكثر عقلانية ومنهجية، وقاده هذا الصراع إلى العودة إلى ألمانيا في عام 1921.

في عام 1922 انضم كاندينسكي إلى هيئة التدريس في فايمار باوهاوس، حيث اكتشف بيئة أكثر تعاطفاً لمتابعة فنه، بيئة تبنى على نهج تعبيري جرماني في صناعة الفن، جاءت جمالية باوهاوس لتعكس اهتمامات وأساليب بنائية، والتي بحلول منتصف العشرينيات من القرن الماضي أصبحت عالمية في نطاقها. وأثناء وجوده هناك، عزز كاندينسكي تحقيقاته في التطابق بين الألوان والأشكال وتأثيراتها النفسية والروحية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"