عادي

سلطان العميمي.. رسام خرائط الشعر النبطي

23:25 مساء
قراءة 4 دقائق
  • سرديات حكائية شعبية مكوناته الثقافية الأولى

يوسف أبو لوز
كادت شقيقة سلطان العميمي الكبرى تقتله حين كان عمره في نحو الشهرين بدافع الغيرة من هذا الطفل الذكر الذي أصبح موضع اهتمام الأسرة بكاملها بعد ولادته، فقد اقتربت من «المنز» الذي كان سلطان نائماً فيه، و«المنز» هو «المهد»، وفي غفلة من الأب والأم جلست الأخت الشقيقة بكل ثقلها على صدر الطفل سلطان، فما كان من الوالد خوفاً على الطفل من غيرة شقيقته إلاّ أن ربطها في أرض البيت مدة سنة كاملة، وكانت الشقيقة الغيور آنذاك في الثالثة من عمرها.

يروي سلطان العميمي هذه الحكاية للشاعر والصحفي الاستقصائي عياش يحياوي، ويقول له إن فلج المعلا كلّه بيت طفولته حيث كان يلعب بين أقدام الإبل، وذات مرّة «رمحته» أو «صكّته» ناقة برجلها، ولكنه نجا ثانية هذه المرة من الناقة، وهو في نحو العاشرة من عمره، كما نجا من شقيقته وهو مازال في المهد.

كانت ولادة سلطان العميمي في العام ١٩٧٤ في مستشفى الذيد، والذيد واحة نخيل وفضاء مفتوح على تموّجات الرمل والضوء، تماماً كما هو فلج المعلاّ حيث طفولة ونشأة العميمي، و«الفلج» في الإمارات هو المكان الذي يخرج منه الماء من باطن المكان وهو عادة الصحراء، ومن المعروف عن فلج المعلا فضاؤه الزراعي: النخيل، والمانجو، والليمون، فهل لكل هذه الغنائية الشعرية في مكان طفولة العميمي أثر بليغ في تكوينه الشعري أساساً، وثقافته الشعرية الأصيلة الفطرية والتكوينية، الأمر الذي دفعه موضوعياً إلى أن يكون في طليعة الباحثين الجذريين في التراث والثقافة الشعبية، والشعر الشعبي والنبطي.

والده علي بخيت العميمي شاعر نبطي وله ديوان «ابن البادية»، وجدّه لأبيه كان رجل صحراء أو دعني أصفه بِ «صاحب صحراء» أما المكوّنات الثقافية الأولى لسلطان فهي سرديات حكائية شعبية «وخراريف» تبعث على الخوف من تلك الشخصيات التي تتحرك في فضاء الحكاية، ولكن، لا بأس، فسوف تتراكم كل هذه الصور والفضاءات المكانية في نفس الطفل ثم الفتى ثم الشاب سلطان العميمي الذي حين يشتد عوده الثقافي، إن جازت العبارة، وبعد الانتهاء من الجامعة في ١٩٩٦ سيجد ذاته في الكتابة وأولاً في البحث والاستقصاء الميداني لحيوات وأرشيفات وذاكرات شعراء النبط في الإمارات.

أنشأ سلطان العميمي خزانة متخصصة في الشعر الشعبي والنبطي في الإمارات منذ العام ١٩٩٩ وحتى اليوم، وذهب بكل أصالته البحثية والبدوية والمكانية إلى رموز الشعر النبطي الرّواد أو ما قبل الرواد.

حفر

قرأ سيرة وشعر الماجدي بن ظاهر، وحَفَرَ في شعرية سالم الجمري، وتقصّى حياة وشعر علي بن قمبر، وسالم بن علي العويس، ويعقوب الحاتمي، وأحمد بوسنيدة، وتقصّى السيرة الشعبية لابنة ابن ظاهر وهي في حدّ ذاتها تشبه الأسطورة، ولكنها حقيقة أدبية ظهّرها العميمي بالبحث الشعبي المنهجي.

بمنهجيته البحثية العلمية والدقيقة أخرج إلى النور شعريات نبطية إماراتية يَستفيد منها الشعر الفصيح، لا بل إن من يقرأ «خريطة طريق العميمي البحثية» يجد أنه قدّم مادة أدبية نبطية يستفيد منها حتى شعراء قصيدة النثر في الإمارات، تلك المنهجية البحثية التي قادته إلى دواوين: محمد المطروشي، وثاني بن عبوّد الفلاسي، ولم يكتف بهذه البحثية الإماراتية النبيلة فقط، بل، ذهب إلى تظهير وقراءة اللهجات والإشارات الشعرية أو «السيميائية» في الأدب النبطي «ناصر العويس» مثالاً..

يشتغل سلطان العميمي على نفسه كاتباً وباحثاً ومهنياً بهدوء ودقة و«خطوة، خطوة»، بعيداً عن الثرثرة وتبديد الزمن في الاستعراض والمبالغة، بل صنع لنفسه شخصية أدبية اعتبارية في الإمارات والخليج العربي والوطن العربي في نموذجه الروائي الذي بدأه في العام ٢٠١٤ حين أصدر روايته «ص.ب ١٠٠٣» التي صدرت في طبعات ثلاث خلال عام واحد ٢٠١٤، وهو مؤشر قراءة لعمل أدبي مكتوب بطموح أولاً، وثانياً، برؤية أدبية أوسع مما هو متداول في السرديات التي تغرق في استهلاك مادّتها بالتجريب والغموض، ثم يعود العميمي ثانية للرواية في عمله: «غرفة واحدة لا تكفي» ٢٠١٦ الطبعة الأولى، وسوف تُقْرأ أيضاً على نطاق محترم من حيث الاستقبال الأدبي لنصّ سردي يسعى إلى ما هو مختلف ومقنع للمؤلف وللقارئ معاً.

في موازاة الروائي حافظ العميمي أيضاً في هويته السردية على القاص في شخصيته الأدبية، فأصدر: «الصفحة 79 من مذكراتي»، و«تفاحة الدخول إلى الجنة»، و«غربان أنيقة»، و«إشارة لا تلفت الانتباه».

مشروع

أنت، إذاً، أمام كاتب له مشروع أدبي سردي بوجه خاص، وفي موازاته مشروع بحثي يتصل عضوياً بالشعر. المشروع الأول للعميمي وفاء لذاته الكاتبة، والمشروع الثاني وفاء لذاكرة الأدب النبطي في بلده، وفي الحالتين نحن أمام كاتب يجمع بين الأخلاقية الشخصية الذاتية، وبين الأخلاقية الأدبية الثقافية، فتصادقه بالضرورة وتبحث عنه، وتصافح الأدبين فيه: أدب الإنسان، وأدب الكاتب.

سلطان العميمي يملأ مكانه في مواقع إدارية، وتحكيمية ومهنية من أكاديمية الشعر مروراً بنقديته الذكية في تحكيم مسابقات شاعر المليون وإلى روحه الإدارية الجميلة الهادئة في اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، محكوماً دائماً إلى تربية أولى أصيلة اكتسبها من إلهام الصحراء، وكرم الأفلاج، وأناقة النخلة الأشبه بطول الأم.

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"