عادي
قناديل إماراتية

عبد الله الهدية .. الشعر مدونة الوطن

22:41 مساء
قراءة 4 دقائق
عبد الله الهدية

علاء الدين محمود

«وإنني حين طاف الكون في نظري/ حمدت ربي على كوني إماراتي»، هكذا تحدث عبد الله الهدية الشحي شعراً. هو شاعر مسكون بحب الوطن، وأفرد في خطابه الشعري مساحة خاصة يذكر فيها اسم الوطن وأمجاده وبطولاته، ولا تكاد تمر مناسبة وطنية إلا ونظم فيها الهدية شعراً جزلاً تدور مواضيعه حول الشهادة والفداء وحب الأوطان، متعطراً بالحنين إلى الماضي والتوق إلى حاضر ينتمي إلى القيم والأمجاد العربية.

يرى الهدية أن أهمية الأدب عموماً والشعر خصوصاً تكمن في إثراء النظرة العميقة والشاملة للهوية الوطنية والإخلاص لأبعادها ومراميها، فالقصيدة عند الهدية يجب أن تمتزج بمعطيات الهوية وبفضاءاتها الحميمة والمتداخلة مع نبض الشعر، وطالما ردد الهدية أن على الشعراء الإماراتيين تناول همومهم وأحاسيسهم الوطنية بغض النظر عن نوع وأسلوب الشعر الذي يكتبونه، مؤكداً أهمية وضرورة الخروج إلى شعر الحياة المتواصل دائماً مع التحديات التي تجابه الهوية الوطنية.

في «رأس الخيمة» تلك البقعة الجميلة من أرض الإمارات، تشبّع الهدية بحب الوطن وهناك عرف الإبداع الشعري، ولد وترعرع قرب البحر، وكان يستمع لأهازيج الآباء والأجداد بين عباب البحر أو بين مزارع النخيل والأودية أو على سفوح الجبال، فقد نشأ في ظل الموروث القديم والأغاني الشعبية وامتزاج الكلمة مع الواقع، وكلها تركت أثراً إيجابياً في تكوينه الشخصي والثقافي، حيث كان للمكان الوادع أثره في حياة الهدية فحدثته نفسه بالشعر، وكانت بدايات شاعرنا مع القصيدة النبطية، وله العديد من الأعمال في هذا الإطار، فهو يرى في الشعر الشعبي واحداً من الأدوات التي تؤسس لترسيخ مفهوم الثقافة الشعبية، واستعادة صور الماضي والمحافظة على الإرث الإماراتي؟

تجربة وأثر

ظل الهدية يكتب الشعر النبطي إلى أن اطلع على ديوان عنترة بن شداد، وتلك لحظة أحدثت منعطفاً في حياته، حيث كان لها الأثر الحاسم في انتقاله من كتابة الشعر النبطي إلى الفصيح، وصار يطلع على كتابات الكثير من الشعراء المعاصرين الذين كان لهم أثر كذلك في تجربته ومنهم أحمد شوقي، ومحمود درويش، ومحمد سعيد الجواهري، وعبد الله البردوني، وغيرهم من المبدعين الكبار، وكان للهدية شغف خاص بالكلمة، وبرسالة القصيدة، فهو يغوص دائماً داخل المضامين والمعاني، ويتميز خطابه الشعري بالمقدرة على تطويع اللغة، وتخير مفرداتها، لذلك دائماً ما تكون قصيدته صرحاً من المجاز والبيان.

انتمى الهدية إلى القصيدة العمودية فأبدع فيها وأخرج عدداً من القصائد المحتشدة بالجمال والخيال، ويظهر أثر القرآن الكريم واضحاً في شعر الهدية بلغة جزلة متماسكة في بنيانها مع حرص على الإيقاع، موظفاً هذه المهارات في إنضاج تجربته الشعرية، وبات صوتاً شعرياً معروفاً في الإمارات والوطن، وظل صاحب مجهود وافر في إثراء اللغة، حيث أن مشروعه الشعري يعتمد بصورة أساسية على إبراز جماليات العربية، وذلك ما فعله أيضاً في ممارسته للإعلام عبر عدد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية، خاصة فضائية رأس الخيمة التي قدم عبرها عدداً من البرامج من أهمها «همس الخواطر» و«دانات تراثية»، غير أن الهدية ورغم انتمائه إلى الشعر العمودي بصورة أساسية، يبدو منفتحاً تماماً في ما يتعلق بمسألة الذائقة الشعرية، فهو يرى أن لكل شاعر مجاله التعبيري الخاص به حسب قدراته واتجاهاته، وما يعجب أحدهم قد لا يعجب غيره.

ردم الهوة

الهدية صاحب تجربة رائدة في ردم الهوة والمقاربة بين القصيدة الفصحى والنبطية، فقد وجد أن هناك عزوفاً عن القصيدة الفصحى لصالح المحكية، فكان أن فكر في صيغة برنامج يجذب المتلقي إلى اللغة الأم، فعمل على المزج بين الاثنين، وذلك ما فعله عبر برنامج «حطي كلمن»، في فضائية رأس الخيمة، ومع الأيام أثمرت التجربة وأنتجت أقلاماً شابة تعشق الفصحى وآذان تعشق جماليات لغة الضاد.

تغنى الهدية بالعروبة واستعاد أمجادها في أشعاره التي ذكر فيها الكثير من أيام العرب وبطولاتهم وقيمهم الثقافية والحضارية، وتحمل نصوصه دعوة إلى استعادة تلك الأمجاد من أجل أن تزدهر الأمة العربية وألا يكتفي الشعراء بمجرد البكاء على الأطلال، ودائماً ما يدعو الهدية إلى ضرورة الموازنة بين الحاضر والماضي والقديم والجديد، حيث إن للشاعر دوراً في بناء المستقبل الواعد لوطنه وأمته.

الفلسفة والتاريخ

النص الشعري عند الهدية دائماً ما يحتفي بالتأمل ويناقش فكرة ويحمل هماً، وربما ذلك نتاج انفتاح الشاعر على العديد من الثقافات والرؤى الفكرية، فهو صاحب اهتمام بالمؤلفات الفلسفية لمفكرين كان لهم إنتاجهم وأثرهم الكبير مثل هيجل وكانط، فالاطلاع الفلسفي عند الهدية مرتبط بمسألة تفسير التاريخ والتأمل فيه، فالتاريخ تعترضه في بعض الأحيان نكبات مفاجئة ولا بد من تفسير ذلك الأمر، ولذلك يلجأ الهدية إلى الفلسفة من أجل أن تعينه على التفسير وربط الأحداث، ولذلك فإن بعض نصوصه تحمل الكثير من تلك المعاني فقصيدته «البحث عن إرم»، عبرت عن شغف بتلك الحضارة وبالبحث عن أسباب انهيارها، وفي العديد من القصائد الأخرى ينعكس أثر الفلسفة، حيث تحتشد بالأسئلة وبالتأمل في الوجود والمصائر.

ألّف الهدية العديد من الأناشيد الملحمية وما يعرف بفن الأوبريت، وخاض بحور الأغراض الشعرية المختلفة وهو في العقد الثاني من العمر، وشارك في العديد من الأمسيات داخل الدولة وخارجها، ومثّل الإمارات في الأسابيع الثقافية في كل من البحرين والخرطوم ومسقط، وساهم في الحركة الأدبية والمشهد الشعري من خلال المحاضرات والأمسيات الشعرية في المدارس والجامعات والمؤسسات المجتمعية المختلفة، وله عدة إصدارات: «ابتسام العمر» و «إلى متى» و «أين أنت» و«كوني معي».

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"