عادي

الإطعام.. سلوك الأخيار

23:58 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني
لم يحث الإسلام على سلوك إنساني تطوعي كما حث على إطعام الطعام. وسواء أكان الإطعام لسد حاجة الجوعى من الفقراء وعابري الطريق، أو كان على سبيل التهادي وكرم الضيافة، وتأليف القلوب، ومجاملة الأصدقاء، فالفضل موجود، والأجر ثابت، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «خياركم من أطعم الطعام» عام وشامل لكل صور الإطعام.

والسؤال هنا: ماذا يعنى إطعام الطعام في ظل الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي يعانيها العالم؟ وهل ينال الإنسان مزيداً من الأجر والفضل إذا ما أسهم في توفير الطعام للجوعى في بلاد أخرى؟

وهل ينال المسلم أجراً وثواباً على إطعام غير المسلمين؟ وما الضوابط الشرعية لموائد الطعام التي يعدها الكثيرون لأصدقائهم في المناسبات المختلفة؟

يؤكد د. علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي مصر السابق، أن ديننا يحثنا على إطعام الطعام؛ سواء أكان من الأغنياء إلى الفقراء، أم من باب كرم الضيافة، أم كان من قبيل الحقوق الإنسانية للإنسان بصرف النظر عن عقيدته، ولذلك يقول سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «خياركم من أطعم الطعام»، كما قال، صلى الله عليه وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلاَمَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِسَلاَمٍ».

11

ويقول جمعة: إطعام الطعام بوجه عام عليه أجر وثواب حتى ولو أطعم فقير غنياً، لكن لو كان الإطعام من القادرين مادياً لأصحاب الحاجة من المسكين واليتيم والأسير فيكون الأجر أكبر وأعظم، فقد مدح الخالق سبحانه من يفعلون ذلك بقوله: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا».

ويضيف: حذر الإسلام من التغافل أو التجاهل عن إطعام الجوعى، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به»، وكان كلما ذكر ابن جُدعان، يتهلل وجه رسول الله فرحاً لما كان يفعله ذلك الجاهلي من ضيافة الحجيج، ذلك أن مكارم الأخلاق محمودة حتى ولو خرجت من مشرك، فما بالنا لو كانت من المؤمن؟

وينتهي مفتي مصر السابق إلى تأكيد أن الإطعام في كل الحالات لوجه الله سبحانه وتعالى، فالطعام من الحقوق الأساسية للإنسان، ولا يجوز حرمان جائع منه، أو الضغط به على عباد الله، حتى ولو كانوا أسرى في حرب مشروعة، وأن التجويع لم يكن أبداً في شريعة نوعاً من العقوبة، وكذلك لم يكن أبداً مباحاً في أي نظام قانوني في العالم.

وعن فضل إطعام غير المسلم، يقول د. جمعة: إطعام الطعام بالنسبة للفقراء يدخل في باب الصدقات، وليس الزكاة، لأن لها مصارفها الشرعية المحددة بنص قرآني، ويجوز شرعاً تقديم الصدقة لغير المسلم المحتاج إليها، وقد يكون إطعامه أكثر أجراً من إطعام المسلم إذا ما كان جائعاً وفي حاجة إلى الطعام.

فضائل لا تحصى

د. عبد الفتاح العواري، العميد السابق لكلية أصول الدين بالأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية، يؤكد ضرورة نشر فضيلة إطعام العام بين الجميع، فليس فيه إسراف ما دمنا التزمنا بالحفاظ على نعم الله وتجنبنا مظاهر السفه في موائدنا.

ويقول: واجب كل الأسر تربية أولادها على فضيلة إطعام الطعام، وتعريف الأطفال والشباب بأهميتها وقيمتها في نظر الإسلام، وتعريفهم بأنه من الأعمال الموصلة للجنة؛ حيث جاء رجل إلى رسول الله عليه وسلم فقال: «علمني عملاً يدخلني الجنة فقال: أطعم الجائع، واسق الظمآن، وأمر بالمعروف، وانه عن المنكر، فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من خير».

ويطوف بنا د. العواري، في فضائل إطعام الطعام وفقاً لما أرشدتنا إليه النصوص الشرعية، فيقول: هو من صفات الأخيار الأبرار الذين وعدهم الله بالنعيم المقيم في الجنة. ووعد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه من يطعم الطعام لوجه الله بدخول الجنة. وإطعام الطعام خير الأعمال

أخلاقيات.. وضوابط

د. نظير محمد عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، يؤكد أن إنسانية الإسلام تتجلى في الحث على إطعام الطعام، والتحذير من إهمال الجائعين، وعدم المبادرة بسد جوعتهم، فمن يفعل ذلك يبرأ الله منه كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «أيما أهل عرصة أصبح فيهم جائع فقد برئت منهم ذمة الله». ويقول: هذه المسؤولية يتحملها كل مسلم قادر مسؤولية شخصية عن نفسه ومن يعولهم أولاً، ويثاب عليها من الله؛ حيث يقول عليه الصلاة والسلام: «ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة، وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة، وما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة».

ويوضح د. عياد، مجموعة من الضوابط الشرعية لإطعام الطعام الذي يجزل الله عليه الأجر، فيقول: يجب أن يكون خالياً من الرياء، فلا أجر على عمل ابتغى صاحبه الثناء من الناس والتفاخر بين قومه.

ويضيف: في كل الأعمال الخيرية ينبغي أن يكون العمل خالصاً لوجه الله، ولذلك قال العلماء إن الصدقة السرية أكثر أجراً من العلنية حتى ولو ابتغى صاحبها حث الآخرين على الاقتداء به.

ويوضح أن هناك أولويات للمسلم في عملية الإطعام، فالأهل هم أولى الناس بعد أهل بيته، ثم الجيران الجوعى ذلك أن الإسلام ألزم المسلم بمسؤولية أخلاقية عنهم، وإن لم يؤد واجبه نحوهم وسد جوعتهم، فإنه يحرم صفة الإيمان.

أفضل عطاء

1
د. محمد نبيل غنايم

يؤكد د. محمد نبيل غنايم، أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة القاهرة، أن إطعام الطعام أفضل عطاء إنساني يحرص عليه الإسلام ويُربّى المسلمون على الوفاء به، وأن توجيهات الإسلام في هذا الشأن يجب أن تدفع جميع المسلمين القادرين إلى زيادة جرعات العطاء الخيري للفقراء وأصحاب الحاجات، خاصة الجوعى في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. وعن موقف الإسلام من هؤلاء الذين أنعم الله عليهم بالخير الوفير ولا يطعمون الفقراء، يقول: الإسلام يحث على إطعام الطعام ويحذر من البخل على الجائعين، لذلك فواجبهم أن يبادروا بسد جوع كل جائع خاصة إذا كانوا يستطيعون أن يصلوا إليه بالطعام.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3usjce6k

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"