رغيد جطل
تتنوع حاجات الإنسان بين مادية وجسدية ومعنوية، فأما الأولى فيغذيها بما لذ وطاب من الطعام والمشروبات في ضوء ما أباح الله له، وأما الثانية فغذاؤها الزواج والسكن إلى الزوجة التي يجد فيها العبد ما يغنيه عن الحرام واتباع الهوى، وأما الثالثة فليس لها من غذاء سوى البحث عن خالق عظيم يتصف بكل ما يعجز عنه الإنسان.
والماجد على وزن فاعل وإليه تتناهى صفات الكمال، فقد نجد أحدهم قوياً ثم نجد من هو أقوى منه، أما منتهى القوى فهي للماجد، جل وعلا.
وهناك الاسم الثاني وهو المجيد، وهو صيغة مبالغة من المجد، فإذا كان المجد يقصد به العلو والرفعة، وكان اسم الفاعل منه الماجد، فإن صيغة مبالغته المجيد وهي أبلغ في المعنى؛ إذ من المعلوم أن صيغة المبالغة تدل على تكرار الفعل لمرات عدة حتى يصل من حازها إلى الكمال وهي في حق الله كمال مطلق. الله بأسمائه ذو مجد، فما من اسم إلا ويدل على عظمته وكرمه وقوته وعلمه وعزته، والله بصفاته له المجد، فصفاته صفات كمال مطلق، فكلامه مجيد «ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ»، ق: 1 وكذا بقية صفاته، وأفعاله له المجد والرفعة فيها، فخلقه لا يعيبه شيء كامل على الهيئة التي أرادها، سبحانه وتعالى، ولأن المجد ينتهي عند صفاته وأسمائه وأفعاله فهو المجيد، سبحانه.
المجيد ورد في القرآن على أنه اسم لله وصفة لكلامه باختلاف القراءة ففي قوله تعالى: «ذُو ٱلعَرشِ ٱلمَجِیدُ»، فإن حُركت كلمة المجيد بالضم كانت دالة على اسم الله وهو ما عليه معظم القرّاء، وقرأ بعضهم كحمزة والكسائي بالخفض (المجيدِ) فتكون صفة المجد للقرآن. وأياً يكن فالله وصف نفسه بالمجيد في موضع آخر فقال «قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ»، هود 73، لذا فالمجيد اسم من أسماء الله الحسنى.
الماجد المجيد يشرع الأحكام التي تسمو بعباده عن الصغائر وترفعهم في الدنيا والآخرة؛ لذا من سلك سبيله وعده بالحياة الهانئة والرفعة والسمو في الدارين ومن حاد عنه وعده بالذل والمهانة في دار الزوال ودار المقام. ومقتضى المجد يتطلب منا أن نسمو بأنفسنا عن كل ما يجلب لنا الذل من مسكرات ومحرمات وأن نمجد شعائر الله وأحكامه، فإن أدينا ما أمرنا به ربنا وانتهينا عما حرم علينا كنا من ذوي المجد في الدنيا ومن ذوي السعادة والهناء في الآخرة.
