عادي
رفوف إماراتية

«في مديح الحب».. تنقيب في أسرار العشق

00:24 صباحا
قراءة 4 دقائق
11

الشارقة: علاء الدين محمود
كثيرون هم الذين تناولوا الحب كشعور وعاطفة، وهناك من تحدث عنه كمفهوم على نحو تأملي، خاصة الفلاسفة من أمثال: شوبنهاور ونيتشه وغيرهما، ولعل من أبرز الكتاب الذين أفردوا صفحات عن العشق والهوى هو الفيلسوف الفرنسي آلان باديو، الذي تعمق في هذا الشأن كثيراً.

الشاعرة حمدة خميس، تخوض في كتابها «في مديح الحب... تأملات في فتنة الحب وغموض أسراره»، الصادر عن دار العلياء للطباعة والنشر، تجربة شبيهة بالتي انطلق منها باديو، غير أنها مختلفة، لكونها تبتعد عن الشعر بذات المقدار الذي تقترب فيه منه، حيث إن المؤلف هو تأمل في ذلك الشعور الغريب المسمى بالحب، وأثره في النفس البشرية، وفي تعامل الناس، كما أن الكتاب هو كذلك تنقيب في أسرار الهوى والعشق.

مدارج

الكتاب يقع في 160 صفحة من القطع الصغير، وقسمته الكاتبة إلى مدارج، وليس أبواب أو فصول، وبطبيعة الحال فإن اختيار هذه المفردة الشاعرية والروحية ليست عبثاً، بل لكونها تشير أو تدل على عالم الترقي الروحاني والوجداني، فكلمة مدارج أو مسالك هي شديدة الارتباط بأدب التصوف، وللمتصوفة توظيف وتقعيد خاص للمفردة، وفي المقدمة تضعنا الكاتبة أمام حوار متخيل حول الحب، وفيه تبرز تحديدات وتعريفات تدور حول العشق والهوى، حيث إن الحب في مفهومه يجمع بين النقائض التي تصنع المعنى، فهو الخبل وهو اكتمال الرشد، وهو القيامة بعد الموت، وفي الوقت نفسه هو الولوج إلى الفناء، وهو الخضوع والتمرد، هو «النقائض توحدت وتفرقت كأنجم وتمازجت كالكيمياء».

وفي المدرج الأول المعنون ب«في جلال الحب»، حيث يستدعي الكتاب جلال الدين الرومي في قوله: «سأقول لك لماذا تهب رياح الصباح: لأنها تريد أن تعبث بالأوراق النائمة على وردة الحب/ إنني لا أستطيع أن أفسر لك كل ألغاز الخليقة، فما الحل الأوحد لكل الألغاز سوى الحب»، ويطوف الكتاب في هذا المدرج في عوالم الحب الذي هو لغز، ولكنه حل لكل الألغاز، وهو كذلك الدواء والشفاء، فإذا «كنت ساكناً في خيمة الكآبة، فإن كل أدوية الكآبة لن تنفعك؛ لأنك كالمجدف في مستنقع طيني، وما لك من شفاء إلا الحضور في جلال الحب»، وفي هذا المدرج كذلك نتعرف إلى لغة الحب، التي هي ليست تشبه لغة التداول اليومي بين إنسان عابر وآخر، بل هي سلوك واهتمام غير عادي بالمحبوب، ومشاركة في التفاصيل الصغيرة التي تعني المحبين.

منبع

ويتجول المدرج الثاني من الكتاب، الذي حمل العديد من العناوين وهي: «مديح الحب»، و«حب كأنه الكون، و«الطلسم العصي»، و«أنت الحب والعيد»، و«حب بلا مرفأ»، و«المرافعة»، بالقارئ في أكوان من الأنوار الساطعة بالعشق، يطوف فيها وهو يتلفت إلى منبعه الأول الصافي فيا ترى «أهو دهر من هذا الزمن، أيام وأشهر وعصور؟ منذ متى قال الإنسان لأول مرة: أحبك؟ منذ ذلك الزمن البعيد إلى زمن لا ندرك مداه»، فتلك المفردة الساحرة هي كلمة كل البشرية منذ البدء، ويفرد هذا المدرج فضاءات ساحرة تحملها لغة النثر الجميل والبديع، والأفكار التي هي نتاج التأملات العميقة التي تتجاوز معاني الحب وتعريفاته إلى ما وراء ذلك.

أما المدرج الثالث، فهو يأخذ القارئ إلى فضاءات عدة، حيث «الحب والإشراق»، لنتعرف إلى ذلك النور العظيم الذي يغمر أرواح المحبين، وعلى ماذا يحدث للإنسان عندما يشعر بالحب؟ أما في فضاء «اللغز والحل»، فيحيل الكتاب القارئ إلى ما قيل وكتب في الحب من قبل النقاد والفلاسفة والشعراء، وكذلك بقية الفضاءات وهي: «الحب شعاع أرواحنا»، و«النتلة في الحب»؛ أي الصعقة، و«الروح بين الرمز والحقيقة»، و«الحب تحت المجهر»، و«الهالة الأثيرية».

ويستدعي المدرج الرابع المعنون ب«الحب بين القيد والحرية»، الفيلسوف والروائي نيكوس كازانتزاكيس، الذي نقب عن تلك اللحظة التي حولت الحب إلى مرض مكلل بالعار، ثم يجيب الكتاب في هذا المدرج عن سؤال: لماذا نحب؟ لماذا يقع المرء في هذا الشعور الغريب، كما لو أنه هاوية أو فخ أطبق عليه من دون أن يمتلك القدرة على الفرار، ويشير الكتاب إلى أن كل أبحاث الشعوب وتجارب البشرية في التأويل والتحليل والتنقيب في الظواهر والأسباب، لا تملك جواب اليقين على سؤال كهذا، فحين نقرأ كتاباً عن الحب، لا يخرج في مضمونه ومجمله عن صفة الوصف للحال الذي يكون عليه المحب.

فطرة

ونقف في المدرج الخامس المعنون ب«الحب فطرة الكائنات»، أمام مقولة تحمل تساؤلات لجوته وهي: «من أين ولدنا؟ من الحب، كيف كنا سنضيع؟ من غير الحب، ما الذي يوحد بيننا؟ هو الحب»، ويؤكد هذا المدرج على أن الحب فطرة في الكائنات جميعاً.

ويتجلى الكتاب بصورة أكبر في المدرج السادس، الذي يتناول فيه الحب في الحضارتين الفرعونية والعربية القديمة، وينفتح على نص فرعوني قديم يقول: «ليتني كنت خاتمها الصغير، حارس أصبعها، لأرى حبها في كل لحظة»، وهو من ديوان «أغاني الحب»، ويضم قصائد تعود إلى عصر الدولة الفرعونية الحديثة «الأسرة 19 20»، كما يتناول الكتاب جوانب من الحب في الثقافة العربية، ويضم هذا المدرج عناوين يتناول فيها الكتاب: «المرأة والحب»، و«المرأة والغياب»، و«تجليات الحب وجوهره»، وغير ذلك من العناوين التي تبحث في جوهر وأصل الحب وأسراره في التاريخ والحاضر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/nshed6ks

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"