عادي

عذب الكلام

22:55 مساء
قراءة 3 دقائق

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أمّ اللغات

من أنواع البلاغة الإنشاء الطلبي: ما يَسْتَدْعي مَطْلوباً غَيرَ حاصل وقتَ الطلب، ويكونُ بالأمر، كقول عليّ الجارم يخاطب ابنته:

فانْبِذِي عادةَ التَّبرّجِ نَبْذاً فجمالُ النُّفوسِ أسْمَى وأعْلَى

والنّهْي، كقول أبي تمّام:

لا تَسْقِني ماءَ المَلامِ فإنَّني صَبٌّ قدِ اسْتَعْذَبْتُ ماءَ بُكائي

والنداء، كقول ابن الزيّات يمدح الفضْلَ بن سهْل:

يا ناصِرَ الدّين إذْ رثَّتْ حبائلُه لأنتَ أكْرَمُ مَنْ آوَى ومَنْ نَصَرا

والاستفهام، كقول أميّةَ بن أبي الصَّلْت:

أَأَذْكُرُ حاجَتِي أَمْ قد كَفانِي حَياؤُكَ، إِنَّ شِيمَتَكَ الحَياءُ

دُرر النّظم والنّثر

يا مَنْ هَواهُ

سعيد بن أحمد البوسعيدي

(بحر الكامل)

يا مَنْ هَواهُ أَعَزَّهُ وأُذَلَّنِي

كَيْفَ السَّبِيلُ إِلى وِصالِكَ دُلَّنِي

وتَرَكْتَنِي حَيْرانَ صَبّاً هائِماً

أَرْعى النُّجومَ وأَنْتَ في نَوْمِ هَنِي

عاهَدْتَنِي أَنْ لا تَمِيلَ عَنِ الهَوَى

وحَلَفْتَ لِي يا غُصْنُ أَنْ لا تَنْثَنِي

هَبَّ اَلنَّسِيمُ ومالَ غُصْنُ مِثْلُهُ

أَيْنَ الزَّمانُ وأَيْنَ ما عاهَدْتَنِي

جادَ الزَّمَانُ وأَنْتَ ما واصَلْتنِي

يا بِاخِلاً بِالْوَصْلِ أَنْتَ قَتَلَتْنِي

وَاصَلْتَنِي حَتَّى مَلَكْتَ حَشاشَتِي

ورَجِعْتَ مِنْ بَعْدِ الْوِصالِ هَجَرْتَنِي

لمّا مَلَكْتَ قِيَادَ سِرِّيَ بِالْهَوى

وعَلِمْتَ أَنِّي عاشِقٌ لَكَ خُنْتنِي

ولَأقْعُدَنّ على الطَّرِيقِ فَأشْتَكَي

فِي زِيِّ مَظْلُومٍ وأَنْتَ ظَلَمْتنِي

ولأشْكِيَنّكَ عِنْدَ سُلْطانِ الْهَوى

لِيعَذِّبَنّكَ مِثْلَ ما عَذَّبْتَنِي

ولَأَدْعِينَّ عَلَيْكَ فِي جُنْحِ الدُّجَى

فَعَساكَ تَبْلَى مِثْلٌ ما أَبْلَيَتنِي

من أسرار العربية

في أوزان الأفعال والمصادر:

«‏فَعَلان»‏ يدلُّ على الحَرَكةِ والاضطرابِ، مثلِ: النَّزَوان (الوَثَبانُ) والغَلَيان والهَيَجان.. إلخ. «‏فَعْلانَ»‏ يدلُّ على صفاتٍ تقعُ من أحوال كالعَطْشان والغَرْثان (الجائع) والشَّبْعان والرَّيان والغَضْبان‏..إلخ‏. «‏أفعَل»‏ يدلُّ على صفاتٍ بالألوان، نحو: أبْيض وأحْمر وأسْود وأصفر وأخضر وأزرق.. والعُيوب تكون على «أفعل» نحو: أحْوَل وأعْوَر وأعْرَج وأخْنَف‏.. و«‏فُعال‏» يدلُّ على الأمراض،‏ كالصُّداع والزُّكام والسُّعال... إلخ.‏ والأصوات أكثرها على هذا، نحو: الصُّراخ والنُّباح والرُّغاء (صَوْتُ ذواتِ الخُفِّ) والثُّغاء (صَوْتُ الشّاء والمَعَز) والخُوار (صَوْتُ البقر)‏.‏ ومنها على وزن «‏فَعيل»‏ نحو: الضَّجيج والهَرير والصَّهيل والزَّئير والنَّعيق والنَّعيب والخَرير والصَّرير‏.‏

هفوة وتصويب

يستخدم كُثُر هذه العبارة: «دفعوا المَبَالِغَ المالية»، وفي ذلك حَشْوٌ لا لزومَ له، فالمَبَالِغ، والمالُ بمعنى واحد. والصّواب «دفعوا المالَ» أو «المبالغَ». وهناك حَشْوٌ آخرُ ركيكٌ «وأُلْقيتْ في الأُمْسيةِ قَصِائدُ شِعْريّةٌ». والصّوابُ «أُلقيت في الأُمْسيةِ قصائدُ.. أو أشْعارٌ»، لأنَّ كِلْتَيْهما بمعنى واحدٍ. وعبارة «وقُدّمتْ نصيحةٌ للنّساءِ الحوامِل».. والصَّوابُ «وقُدّمتْ نصيحةٌ للحوامِل»، فالرّجالُ لا يَحْملون. ويقول آخرون «وكان الأمرُ على وَشَكِ الانتهاء» بفتحِ الشّين. وهي خطأ، والصوابُ تسكينُها؛ والوَشِيك: السريع. أَمْرٌ وَشِيكٌ: سريع، وَشُكَ وَشاكةً ووَشَّكَ وأَوشَكَ، ووَشْكُ البَيْنِ: سُرْعَةُ الفِراقِ. ويقالُ: عجبتُ من وَشْك ذلك الأَمر ووُشْكِهِ، بفتحِ الواو وضمّها. قال جرير:

إذا جَهِلَ الشَقيُّ ولم يُقَدِّرْ

ببعض الأمرَ أوْشَكَ أن يُصابا

من حكم العرب

يا راقِد اللَّيْلِ مَسروراً بِأَوَّلِهِ

إنَّ الحَوادِثَ قَدْ يَطرُقنَ أَسْحارا

لا تَفْرَحَنَّ بِلَيلٍ طابَ أَوَّلُهُ

فَرُبَّ آخِرِ لَيلٍ أَجَّجَ النّارا

البيتان لمحمد بن حازم الباهلي، يشدّد فيهما ضرورةِ التعقّل والتروّي، قبل الإقدامِ على أيّ فعلٍ، فقد تبدو الأمورِ ورديّة ناصعةً، توحي بالارتياحِ، لكن يمكن أن تحمل مفاجآتٍ غير سارّة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/wh26uxbd

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"