عادي

عذب الكلام

23:57 مساء
قراءة 3 دقائق
1

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أم اللغات

الرّجوع: فنٌّ في مجرَى الكلام يَرْجِع فيه المتكلم إلى كلامه السابق فينقُضُه ويُبْطِله، لداعٍ بلاغي، كالتحسّر، والتحزّن، ودفع توهّمٍ قد يسبق إلى الذهن، واستدراكٍ بقيدٍ، وبيانٍ للمراد من الكلام السابق وغير ذلك، منه قول زُهَيْرِ بن أبي سُلْمَى:

قِفْ بالدِّيَارِ الَّتي لَمْ يَعْفُهَا الْقِدَمُ

بَلى وغَيَّرَها الأَرْوَاحُ والدِّيَمُ

نظرَ إلى ديار مَنْ يُحِبُّ فتَمَثَّلَتْ صورتُها في نفسه كأنَّها بعَيْنيه. وما لَبِثَ حتَّى انجلَتْ تصوُّراتُه النفسيّة، وشاهد الواقع، فلم يَرَ في الدّيار أثراً.

وقول ابنِ الطَّثْرِيّة:

ألَيْسَ قلِيلاً نَظْرَةٌ إِنْ نَظَرْتُهَا

إِلَيْكِ وكَلّا لَيْسَ مِنْكِ قَلِيلُ

رأى أوّلاً أنّ صاحبته إذا سمحت له بنظرة، فإنّها لا تعطيه إلاَّ عطاءً قليلاً ولكن تَنَبَّهَ إلَى أنّ القليلَ مِنْهَا شَيْءٌ كثيرٌ.

دُرر النَّظم والنَّثر

أَمّا العُداةُ

البحتريّ (بحر البسيط)

أَمّا العُداةُ فَقَدْ أَرَوْكَ نُفوسَهُم

فَاقصِدْ بِسوءِ ظُنونِكَ الإِخْوانا

تَنْحاشُ نَفْسي أَنْ أَذِلَّ مَقادَةً

ويَزيدُ شَغْبي أَنْ أَلينَ عِنانا

وأَخِفُّ عَنْ كَتِفِ الصَّديقِ نَزاهَةً

مِن قَبلِ أَن يَتَلَوَّنَ الأَلْوانا

وأَخٍ أَرابَ فَلَمْ أَجِدْ في أَمرِهِ

إِلّا التَماسُكَ عَنْهُ والهِجْرانا

أَغبَبتُهُ أَنْ أَسْتَميحَ لَهُ يَداً

أَوْ أَنْ أُعَنِّيَ فِيَّ مِنهُ لِسانا

وأَراهُ لَمّا لَمْ أُطالِب نَفْعَهُ

أَنشا يَضُرُّ تَغَيُّباً وعِيانا

ما كانَ مِن أَمَلٍ وَمِنكَ فَقَد أَتى

يَسْري إِلَيَّ مُبَيِّناً تِبيانا

لَوْ كانَ ما أَدّى إِلَيكَ سِرارُها

خَيْراً لَكانَ حَديثُها إِعْلانا

ومِنَ العَجائِبِ تُهمَتي لَكَ بَعدَما

كُنتَ الصَفِيَّ لَدَيَّ وَالخُلصانا

من أسرار العربية

في تَرْتِيبِ البَيَاضِ: أَبْيَضُ‏.‏ ثُمَ يَقِقٌ‏.‏ ثمَّ لَهِقٌ‏.‏ ثُمَّ واضِحٌ‏.‏ ثُمَّ نَاصِعٌ‏.‏ ثم هِجَانٌ وخَالِصٌ‏.‏ وكذلك: السَّحْلُ: الثَّوبُ الأبْيَضُ.‏ النَّقا: الرَّمْلُ الأَبْيَضُ‏.‏ الصَّبِيرُ: السَّحابُ الأَبْيضُ.‏ الوثِيرُ: الورْدُ الأبْيضُ‏.‏ القَشْمُ: البُسْرُ الأبْيَضُ الَّذِي يُؤْكَلُ قَبْلَ أَنْ يُدْركَ وهُوَ حُلْو‏.‏ الرِّيمُ: الظَّبْيُ الأبْيَضُ‏.‏‏ النَّوْرُ: الزَّهْرُ الأبْيَضُ‏.‏ القَضِيمُ: الجِلْدُ الأَبْيَضُ؛ للنَّابِغَةِ‏:

كَأَنَّ مَجَرَّ الرَّامِسَاتِ ذُيُولَها

عَلَيْهِ قَضِيمٌ نَمَّقَتْهُ الصَوَانِعُ‏‏

وفي تَقْسِيمِ السَّوَادِ: لَيْلٌ دَجُوجِيٌّ. سَحَابٌ مُدْلَهِمٌّ. شَعْرٌ فَاحِمٌ. فَرَسٌ أَدْهَمُ. عَيْنٌ دَعْجَاءُ. شَفَةٌ لَعْسَاءُ. نَبْتٌ أَحْوَى. وَجْهٌ أَكْلَفُ. دُخَانٌ يَحْمُومٌ.

وفي لواحقِ السّواد: أخْطَبُ، أغْبَشُ، أَغْبَرُ، قَاتِمٌ، أحْوَى، أَكْهَبُ، أَرْبَدُ، أَغْثَرُ، أدْغَمُ، أظْمَى، أخْصَفُ.

هفوة وتصويب

كُثُرٌ يقولون: «قابلَ صديقَهُ صُدْفةً». وهو استعمالٌ خطأٌ، والصوابُ «مُصادَفةً». لأنَّ «الصُّدْفة» من صَدَفَ عنه يَصْدِفُ صَدْفاً وصُدُوفاً: عَدَلَ، وأعْرضَ وانْصرفَ.

قال الأَعْشَى:

ولقدْ ساءَها البَياضُ فَلَطَّتْ

بِحِجابٍ مِنْ بَيْنِنا، مَصْدُوفِ

أَي مَسْتُور. أمّا صادَفَ: فمعناها لاقى ووجدَ مِنْ غَيْرِ مَوْعِدٍ ولا قَصْدٍ.

ويستخْدُمُ آخرون هذهِ العبارةَ «هذا الأمرُ لصالِحِكَ». و«كانتِ المبادرةُ خِدمَةً للصّالحِ العام». وكلتاهُما خطأٌ، والصَّوابُ «لِمَصْلَحَتِكَ». و..«لِلْمَصْلَحَةِ العامّةِ». لأنَّ «صالح» اسمُ الفاعلِ مِنْ صَلَحَ يَصْلَحُ ويَصْلُحُ صَلاحاً وصُلُوحاً، فهو صالِحٌ، أي نافِعٌ، وهي ضِدُّ الفاسد.

أمّا المصلحةُ، فواحِدةُ الْمَصالِحِ، وهي ما فيهِ الْخَيْرُ والمَنْفَعَةُ.

من حكم العرب

هِيَ الأَيّامُ تَكْلِمُنا وَتَأسو

وتَجري بِالسَّعادَةِ والشَقاءِ

وجَرَّبْنا وجَرَّبَ أَوَّلونا

فَلَا شَيءٌ أَعَزُّ مِنَ الوَفاءِ

البيتان لعليّ بنِ الجَهْم، يقول فيهما إن الحياة تعطينا الكثير من التجارب، وقد تكون قاسية، لكن قيمة الوفاءِ، للمبادئ الراقية والأهل والأصدقاء هي الطريقُ إلى الهناء والاستقرار.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yvdraayr

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"