عادي

«سبع سنابل» وثقافة الاكتفاء

00:56 صباحا
قراءة 3 دقائق
عائشة مصبح العاجل

عائشة مصبح العاجل
للأرض أصول وتاريخ وكيان، ومليحة استثناء شكَله البدويَ على أرض صحراء مترامية الأطراف، تحتضن المدافن والآثار والحضارات، وكثبان رمل تعالت كأنها جبال وأوتاد، و«خيمة» توارت فيها أحلام وقصائد وحكايات عن الصحراء، ثم ترحال و«عريش» اكتست أطرافه بالخيرات، ومنازل متناثرة وقطعان من أبل وماعز وأنعام.

وحياة لا يشبهها إلا النقاء والصفاء والعنفوان، فهذا البدوي على هذه الأرض تمكن من أن يغرس نفسه فيها، ويتعايش مع ظروفها، يأكل «قرصاً» ولبناً، ويمتطي ناقة وبعيراً، ويوثق حبال خيمته على وتد، ويُحمص البُن، وينثر الهيل ويكرم الضيف، وتمكن من استخلاص مواردها التي لا تشح ما دامت الحياة تجود عليه من حيث لا يدري، فتتمدد الصحراء ويكبر هو وآماله.

فالصحراء غِنَى من نوع مختلف، عميق التفاصيل والمعاني، كما أن الحيوات التي تسكنها من بشر وشجر وأنعام يتنفسون على أرض مليحة البقاء، ويجذرون أنفسهم مع حبات الرمل ومزن السماء.

أكد ذلك صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وأكد أهمية الاستفادة من الإمكانات الطبيعية المتوافرة في المنطقة وتحويلها إلى أماكن إنتاج زراعي وحيواني، كمشاريع مستدامة، توفر فرص العمل وتدعم المنتجين والغذاء الصحي السليم، كما أن نجاح مشروعات الغذاء المتنوعة التي اعتمدتها الإمارة، واستمرار تطورها ورفدها عبر المراحل المقبلة، يجعلها متكاملة في جوانب الأمن الغذائي من المنتجات الزراعية والحيوانية، لتأمين احتياجات الإمارة من القمح والألبان وغيرها، مشيراً إلى أن القمح المنتج في الشارقة من أجود الأنواع في العالم، لاحتوائه على أعلى نسبة من البروتين، وخلوه من أية مواد كيميائية، أو أسمدة ومن المواد الضارة على صحة الإنسان.

وفي حفل حصاد المرحلة الأولى لمزرعة القمح «سبع سنابل» في منطقة مليحة، بارك صاحب السمو حاكم الشارقة حصاد المزرعة في مرحلتها الأولى، وتناول تاريخ الزراعة في المنطقة، وعودتها بكل فخر مرة أخرى إلى أرضها ومكانها الأول وقال: «هذا يوم سعيد لدولة الإمارات العربية المتحدة، وللشارقة بصفة خاصة بمناسبة النجاح في استزراع القمح في مليحة، أرض المزرعة معظمها طينٌ خالصٌ ليس فيها شوائب، حيث كانت هذه البقعة في الأصل مجرى مياه، كان يتجه من الجبال ناحية الفاية ومنها إلى البحر، والتربة فيها صالحة وليس بها أملاح أو حصى، ولذلك نرى أن هذه البقعة لا تعترض نمو جذور النباتات، لأن النبات معروفٌ بأنه إذا اعترضت جذوره الحصى يغير مجرى جذره ويعيقه». موضحاً أن هذه الأرض سهلة ويسيرة في التعامل معها لذا كان الإنبات كله في مستوى واحد وفي مدة استغرقت 100 يوم.. ومساحة هذه البقعة حوالي 1900 هكتار، الآن نزرع ثلثها، والسنة المقبلة سنزرع ثلثاً آخر، وبهذا الحصاد وفتراته المقبلة سنحصد بإذن الله 15200 طن من القمح، وهذه الكمية تمثل استهلاك إمارة الشارقة في السنة الواحدة من منافذ البيع، بالنسبة للقمح والدقيق المستوردين، والآن هذه الكمية المنتجة في الشارقة ستحل محل ما كنّا نستورده.

هي إذن ثقافة الاكتفاء والاعتماد على الذات، وتذليل الظروف البيئية وتطويعها بما يخدم الإنسان، بحيث يضعه في قمة الأولويات، حيث أشار سموه إلى أن مشروعات التنمية واحتياجات المنطقة، مستمرة ولا تتوقف على زراعة القمح فقط، بل هي متواصلة في الكثير من الجوانب الغذائية، ومنها الخضروات، وتربية الأبقار، وهو برنامج مخطط له.

إن البذر من كريم في أرض كريمة، مدعاة للتأكد باستمرارية الفعل، والتوثق من نتائجه التي سينعم بها أهل المنطقة، ويدعمون بها مكانتهم التاريخية على خريطة العطاء، وسيوثق التاريخ بهذه المشاريع الريادية استدامة الفعل الإنساني الذي يقصد به أنسنة المكان والفكر والمقاصد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2297632n

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"