عادي

«حسابات سهيل».. يحلق بالقارئ بين النجوم

19:37 مساء
قراءة 4 دقائق
صخر عبدالله علي سيف - غلاف

الشارقة: عثمان حسن

تتشعب موضوعات التراث في منطقة الخليج العربي، وهذا التشعب يكاد يكون مصحوباً في كثير من الأحيان بمتعة نادرة ترافق القارئ، وهو يطل لأول مرة على مناخات وأجواء تدمج بين الأسطورة والواقع والخيال، ومن جهة أخرى، قد تترافق المتعة مع الفائدة، حين يكون موضوع الكتاب قريباً من روح العلم، كما هو حال «حسابات سهيل وحسابات الدرور» للباحث صخر عبدالله علي سيف، والكتاب الصادر عن معهد الشارقة للتراث في الشارقة.

يتناول الكتاب جانباً نادراً -ربما- لم يتطرق إليه باحثو التراث من قبل، خاصة أن له صلة بحساب فلكي قديم في منطقة الخليج العربي، ومن خلال مفردات جديدة على القارئ العربي، تبدأ من مفردة الدر وجمعها درور، وهي طريقة لعد أيام السنة بالاعتماد على ظهور النجوم وغروبها، وبالتالي نحن بإزاء طريقة علمية ذات صلة بحسابات الفلك عند أهل الخليج عموماً والإماراتيين على وجه الخصوص، وتبدأ طريقة الدرور بظهور النجم سهيل؛ حيث تقسم السنة إلى 36 قسماً، وكل قسم يسمى «در»، وكل در يعادل 10 أيام، ويكون بذلك عد أيام السنة 360 يوماً، ثم تضاف لها الأيام الخمسة الأخيرة في آخر الفترة وتسمى (الخمسة المساريق)، حيث تكتمل أيام السنة لتصبح 365 يوماً.

تبرز أهمية هذا الكتاب، من تلك المسارات العلمية التي كانت سائدة في الزمن القديم عند البدو في الجزيرة العربية المترامية الأطراف، هؤلاء الذين أدركوا منذ القدم أن الشهور القمرية لا تتوافق مع فصول السنة الميلادية (الصيف والخريف والشتاء والربيع) فابتدعوا طريقة يعرفون من خلالها الفصول والمواسم، فحددوا بدايات هذه السنة من بداية طلوع النجم سهيل، وبذلك فإن حسابات الدرور تعتمد بشكل أساسي على التقويم الشمسي، ولا علاقة لها بالتقويم القمري أو الهجري.

*محاور

جاء الكتاب في مقدمة ومجموعة كبيرة من العناوين والمحاور والخرائط والملاحق العديدة والصور التوضيحية التي شكلت في مجموعها مادة الكتاب الذي صدر في 777 صفحة من الحجم الكبير.

أما مقدمة الكتاب فاشتملت على 10 أقسام رئيسية هي: (معنى حسابات الدرور، الغرض الأساسي من استخدام حسابات الدرور، مراعاة اختلاف حسابات الدرور من منطقة لأخرى، جدول مقارنة حسابات الدرور بحسابات سهيل، طريقة حسابات السنة السهيلية في التراث العربي العام، التعريف بالنجم سهيل، سهيل وعلاقته بحسابات الدرور، حقيقة تواريخ الأبراج والأنواء المتعارف عليها تراثياً، ومقدمة عامة عن أحوال الطقس في الإمارات).

وتحت عنوان رئيسي هو (بداية السنة وظهور النجم سهيل- المائة الأولى/مئة الصفري) أدرج الباحث محاور أخرى أساسية في كتابه بينها: علامات تغير الطقس وظهور سهيل، بداية العد واختلاف التاريخ عند الراصدين، موقع النجم سهيل مع الأبراج المجاورة، فراق النجم سهيل، ماذا قالوا عن ظهور النجم سهيل؟) كما أدرج محاور أخرى تحت عنوان (ملاحق) بينها: (مقالة تنكيس الحساب، التعريف الفلكي العلمي بالنجم سهيل، النجم سهيل تاريخ وأساطير، سهيل من الناحيتين التاريخية والتراثية، أساطير عربية مشوّقة حول سهيل، التعريف بالأبراج الاثني عشر، غيوب الثريا والرياح العاصفة، رياح السموم وفترة القيظ، موسم الرطب والتمور في الإمارات، هجرة الأسماك في الخليج العربي، الطيور المهاجرة، الحشرات، الزواحف، وأسماء الأشهر والأسبوع تراثياً مع أسماء ليالي القمر وغيرها).

تحت عنوان (سهيل وعلاقته بحسابات الدرور) يقول الباحث: «سمى العرب النجم سهيل ب«البشير اليماني» و«نجم اليمن»، وذلك لكونه يقع في الجهة الجنوبية، ويشير بشكل عام إلى اليمن، فهو يقابل بشكل عام النجم القطبي نجم الشمال، ولهذا استخدم كدليل يشير إلى اتجاه الجنوب، وإن كان له مطلع ومغيب، وليس محدداً بموقع ثابت كنجم قطب الياه (نجم الشمال)؛ إذ لا يوجد نجم في الجهة الجنوبية محدد بموقع ثابت يدل على اتجه الجنوب الجغرافي، كما هو حاصل لنجم القطب الشمالي».

والباحث يفصل كيفية اختيار النجم سهيل كمرشد للاتجاه وحسابات الدرور، لأسباب عدة بينها شدة لمعانه ووضوح شروقه ومدة مكثه فوق الأفق بشكل واضح، ولأنه عند ظهوره يبدأ الجو بالاعتدال ليلاً وتخف درجة الحرارة نسبياً مما يسهل على الزارعين وضع تاريخ وعلامة فارقة لتغير أحوال الطقس ليلاً، وبدء انحسار شدة القيظ ودخول فصل الأصفري «الخريف».

وتحت عنوان (النجم سهيل تاريخ وأساطير) يقول: «من المهم أن نبين للباحثين أن أسماء النجوم المسماة سهيل هي نجوم عدة وليس نجماً واحداً وهي (سهيل النجم اللامع، وسهيل بلقين، وسهيل حضار، وسهيل رقاش، وسهيل الوزن، وسهيل المحلف، وسهيل المحنث).

وجاء في الكتاب أن العرب كانت تستبشر بطلوع النجم سهيل، فهو من ألمع النجوم في السماء و(ثاني ألمع نجم في السماء بعد الشعرى اليمانية)، ولهذا النجم مسميات كثيرة عن العرب منها: عرس الجنوب أو سهيل الهدار، كما استعرض الباحث الكثير من القصائد الشعرية التي كان موضوعها النجم سهيل، فأظهرت محاسنه وأبرزت ما فيه من شهرة وإثارة، فهو في هذه الأشعار كان النجم الساطع المتلألئ الذي يغير لونه بسرعة كبيرة بين الأزرق والأخضر والأحمر والأصفر، وقد شبهه بعض الشعراء بقلب المحب سريع الخفقان، كما قيل عنه الكثير من الحكايا والقصص التي أبرزت أهميته خصوصاً في الصحراء حيث كان معروفاً ب (سفينة الصحراء).

* أحوال الطقس

يستعرض الباحث في كتابه أحوال الطقس في الإمارات، ويرى أن أحوال الرياح والبحر ساعدت الإنسان الذي عاش في المنطقة على التعامل مع أحوال حياته اليومية براً وبحراً، ففي أعمال البحر كان لعمل جداول الدرور أثر مهم في محاولة تجنب الأجواء العاصفة والأمواج العاتية وبالتالي النجاة من الغرق.

ولم ينسَ الباحث أن يضمّن كتابه الكثير من مسميات الرياح بحسب طريقة حركتها، فهي قد تكون الريح الأزيب وهي ريح الشمال التي تأتي من ناحية بر جنوب الجزيرة العربية، وتهب على بحر العرب، وهذه الريح تساعد السفن المسافرة إلى إفريقيا.. وقد تكون الريح السوايب التي تشتد وتلين ولا تستمر على حالة واحدة أو سرعة واحدة، وقد تكون الريح الكوس التي تهب من الجنوب، أو الريح الملو وهي ريح مفاجئة كانت تسير عليها السفينة وتزيد من سرعتها وفيها نوع من الخطورة على السفينة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdwv4zk2

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"