عادي

ماذا بعد عرفة؟

21:54 مساء
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل

نِعمُ الله، تعالى، على الإنسان لا تعد ولا تحصى، ولو تأمل العبد قليلاً فيما حوله، لوجد أنه يرفل بنعم لو عاش حياته كلها لما استطاع شكر جزء منها، والعظيم في الأمر أن كل نعمة فيها مئات النعم؛ لذا حينما نقرأ قوله تعالى: ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ النحل: 18، ونجد أن الفعل جاء بصيغة الجمع (تعدوا) ثم نجد أن المعدود نعمة واحدة (نعمة الله)، ينتابنا للوهلة الأولى ذهول؛ إذ كيف اقترن الفعل تعدوا بنعمة، لكننا حين نمعن النظر، ونتأمل حقيقة النعمة، نجد أنها تضم آلاف النعم، فمثلاً لو أحضرنا كأس ماء وجئنا بخمسة أشخاص، وطلبنا من كل واحد منهم أن يذكر لنا النعم الموجودة في كأس الماء، الأول سيقول: الماء بحد ذاته نعمة، والثاني سيقول: حافظ الماء على وجوده في الكأس ولم يتسرب منها ويحرم الظمآن من أن يرتوي منه، والثالث سيقول: يد قوية استطاعت حمل الكأس التي تحتوي على الماء، والرابع سيقول: الماء وصل إلى الفم من دون أجهزة توصيل، والخامس سيقول: ماء يسري في العروق من دون أن يتجمد، وهناك نعم أخرى كثيرة في كأس الماء هذه، وكأن الله، سبحانه وتعالى، يقول لنا، وإن تعدوا نعم الله في نعمة واحدة من نعمه لا تحصوها، وكأس الماء مثال على آلاف النعم التي تحيط بنا من دون أن ندري قيمتها.

النعم التي منَّ الله بها على عباده كلها عظيمة، لكن أعظم نعمة أكرمنا بها أن هدانا للإسلام، ووفقنا لطاعته، والاقتداء بهدي حبيبه محمد، صلى الله عليه وسلم، ومنحنا أياماً تزيد فيها الحسنات، وتعظم فيها الدرجات كيوم عرفة الذي مر بنا قبل أيام، والبعض يغتنم أيام الطاعة فَيَجِدّ في العبادة، إلا أنه ما إن تمضي هذه الأيام حتى يعود إلى سابق عهده، متناسياً أن هناك نعمة كبيرة ينبغي أن يشكر الله عليها؛ وهي نعمة أن وفقه للطاعة، فعليه أن يحمد الله، ويثني عليه على ذلك، ولنا في رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الأسوة الحسنة فعندما رأته السيدة عائشة وقد تورّمت قدماه من شدة الوقوف قائماً لله مصلياً، أشفقت عليه فقالت: «يا رسول الله أتصنع هذا وقد غُفِرَ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال: يا عائشة أفلا أكون عبداً شكوراً»، فشكر الله على التوفيق للطاعة من أعظم الأمور وأجلها، وهي حال أهل الجنة عندما يرون ما وعدهم ربهم يوم القيامة ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ۖ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ الزمر:74.

الشكر على النعم سبب لدوامها، قال تعالى: ﴿وكن من الشاكرين﴾ الزمر: 66، أي الشكر على النعم الدنيوية والدينية، اللهم لك الحمد أن وفقتنا لطاعتك، اللهم أدم نعمك وفضلك علينا يا رب العالمين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yz29mhrp

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"