عادي

﴿ولا تمنن تستكثر ﴾

23:32 مساء
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل

من نعم الله التي لا تحصى علينا، أن جعل لنا أبواباً كثيرة للخير، والعبد أمام فعل الخير أحد ثلاثة، إما أن يفعل الخير مبتغياً بذلك وجه الله، فيفوز بالسعادة في الدارين، وإما أن يفعل الخير طمعاً في الحصول على مدح الناس وثنائهم وهذا ينطبق عليه ما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ. قَالَ: كَذَبْتَ. وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ، وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ. قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ»، وبين هذا وذاك، هناك من يفعل الخير وفي بدايته يبتغي نيل رضا الله، لكنه يخلط عملاً صالحاً بغيره، فيُتبع عمله بالمنّ والأذى، ويكثر من قول (إنه المتفضل على غيره)، وأنه (لولاه لما تعلم فلان)، و(أن لحم كتف فلان من خيره) وأمثالها من العبارات التي تبطل العمل، وينطبق عليها قول الله (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ في الْحَياةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا..) الكهف: 103، فربما أنفق ماله وأتعب نفسه، لكنه أبطل ذلك بما تفوه به من كلمات، والله حذرنا من إبطال أعمالنا بالمن (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى..) البقرة:264، وحثنا على عدم إظهار التفضل على الناس بما سُخرنا لأجله (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) المدثر: 6.

من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن يسر أمور الناس، هيأ له الله من ييسر أمره، وقد سُخر كلٌ منا للآخر، فلا فضل لأحد على غيره فيما سخره المولى، عز وجل، به ثم إن المؤمن إذا قام بفعل فيه خير للناس، نظر إلى ذلك الفعل على أنه شيء قليل، ودعا الله أن يتقبل منه، لأنه يعتقد أن طالب الحاجة رفع أمره إلى الله، وقد ألهمه الله أن يلجأ إليه، لذا من لجأ إلينا فهو خير ساقه الله لنا، فلا نبخل أن نكون عوناً لغيرنا، وإن قدرنا الله على قضاء حوائج الناس، فلا نتبع ذلك بالمن، فنكون كالتي نقضت غزلها بعد قوة أنكاثاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/muu7742r

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"