عادي

تجليات الهمزة

23:04 مساء
قراءة 3 دقائق
الشارقة: «الخليج»
لعلّ الدهشة تُصيب القرّاء بسبب دقّة مُدخلات المعجم التاريخي للغة العربية، إذ يُقدم معلومات شاملة حول حروف ومفردات اللغة العربية، وتاريخها، وتطور دلالاتها عبر الأزمنة والعصور، ابتداء بالهمزة.
«ذ/ ب ض ع/ أ أ أ أ أ ع ع ع ع» نصٌ يبدو كأنّه كُتب خطأً بعد نسيان إغلاق الهاتف المحمول قبل وضعه في جيب البنطال، أو خطّته أصابع طفل فضولي في سِنّ رياض الأطفال، ولربّما نُصاب بالدهشة حين نعلم أنها عبارة عربية أصيلة تعني «ثمّ قتلوا منهم خمسة آلاف وأربعين»، وفق دلالة القيمة العددية للرقم 1000، في نقش من مملكة سبأ يعود تاريخه إلى مطلع القرن الأوّل قبل الميلاد.
تتناول صفحات المجلد الأول من المعجم صورة الهمزة في النقوش العربية الشمالية والجنوبية القديمة، وفي الكتابة التي نستعملها الآن بحسب موقعها؛ إما على السطر، وإما على الكرسيّ، المتمثّل في ألف أو، واو، أو ياء غير منقوطة.
وبعد تعريف الهمزة بأنها «الحرف الأوّل من حروف الهجاء، وهو صوت ساكن (صامت)، مخرجُه من الحنجرة، انفجاري شديد، لا مجهور ولا مهموس»، تُشير صفحات المجلد الأول إلى قيمة الهمزة العددية في «حساب الجُمل» والتي تعادل الرقم واحد، ويتطرّق المعجم إلى نظرة القدماء إلى الهمزة على أنها مجهورة، ومخرجُها أقصى الحلق، وعلى أنها تُخالف الألف اللّينة التي تخرج من الجوف، مع توثيق آراء العلماء الذين رأوا أن مخرجها الجوفُ، كالألف اللينة في الأصل، لكنها رُفعت إلى الحلق بسبب شدّتها.
ويتناول المعجم أقسام الهمزة بين وصل وقطع، والفروق بينهما، فهمزة الوصل هي تلك التي تثبُت في بدء الكلام وتسقط في رسمه، مثل كلمة «ابن»، في حين تثبُت همزة القطع في الوصل والابتداء مثل كلمة «أخذ»، مع تخفيف الحجازييّن لها في وسط الكلمة فيقولون «البير» بدلاً من «البئر»، وهي لغة التخفيف التي وردت في بعض القراءات القرآنية.
وينتقل المعجم إلى موقع الهمزة بين أوّل ووسط وآخِر، ومخالفتها للألف الليّنة التي لا تقع أول الكلمة وإنما في وسطها، وآخرهان بعد فتح دائماً، وإلى حال الهمزة بين أصل وزيادة وإبدال، إذ تقع الهمزة أصليّة مثل كلمة «أمر»، وزائدة مثل «شمْأَل»، ومُبدلة من حرف أصلي مثل «كساء»، وأصلها «كساو»، ومُبدلة من ألف زائدة كما في بعض لغات العرب «دأبة»، بدلاً من «دابة»، كما يُبدلها بعض العرب هاء فيقولون «هراق» بدلاً من «أراق»، أو عيناً، فيقولون «علمتُ عَنكَ فاضلٌ»، أي «أنّك فاضلٌ»، ثمّ يستطرد المعجم في معاني الهمزة ودلالاتها الوظيفية السبع:
1. نداء القريب
كقول كُلّاب بن مرّة في الغزل:
أَفاطِمُ هَل ما أَلقَيَنَّكِ مَرَّةً
وَهَل يَجمَعُ الدانينَ ضَيفٌ وَمَربَعُ
2. التّعدية
كقول المهلهل بن ربيعة يرثي كُليباً:
وَابكينَ مصرعَ جيدهِ متزمّلًا
بِدِمَائِهِ فَلَذَاكَ مَا أَبْكَانِي
3. الاستفهام:
كقول أبي أذينة اللخمي:
أَيَحْلِبُونَ دَماً مِنَّا ونَحْلُبُهُم
رسْلاً؟ لقد شَرَفُونا في الوَرَى حَلَبا
4. السلب والإزالة:
كقول الأعشى:
تَشَكّى إِلَيَّ فَلَم أُشكِها
مَناسِمَ تَدمى وَخُفّاً رَهيصا
5. الصيرورة:
كقول المثلّم بن قرط البلوي:
أقام به خولانُ بعد ابن أمّه
فأثرى لعمري فـي البلاد وأوسعا
6. الدخول في المكان والزمان:
كقول المُمزّق العبدي:
فَإِن يُتهِمُوا أُنجِدْ خِلافاً عَلَيهِمُ
وَإِن يُعْمِنُوا مُستَحقِبي الحَربِ أُعرِقِ
7. التّسوية:
كقول الحارث بن ظالم المرّي:
ما أبالي إذا اصطبحت ثلاثاً
أرشيداً حسبتني أم غويّا؟
ويتعمّق «المعجم التاريخيّ» في سمات حروف وكلمات اللغة العربية التي تُميزها عن غيرها من لغات العالم، ودلالة أصواتها على معانيها، مبيّناً أن لسان الضاد ينطق لغة شاعرة، تتركُ في نفس السّامع شعوراً مؤثراً من خلال تدرّجات اللفظ بين تفخيم وترقيق، وهمس وجهر، وتناسُب مخارج الحروف والأصوات مع المعاني، والأوزان الموسيقية الصافية.
ومن ضمن ألوف المصادر التي يعتمد عليها كالنقوش التاريخية، وكُتب التاريخ، وأمّهات كُتب التراث العربي، وعلوم القرآن والتفسير والحديث، والسُّنن والمدوّنات والمخطوطات، يحرص «المعجم التاريخي» على الاستدلال بأبيات القصيدة العربية التي أصبحت كياناً حيّاً ينمو ويتطور، من الشعر الجاهلي، إلى الأموي، والعبّاسي، فالأندلسي، وُصولاً إلى الشعر الحديث والمعاصر.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/m778749n

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"