عادي

القارئ في مصيدة التوجيه

22:51 مساء
قراءة 6 دقائق

استطلاع: نجاة الفارس

لماذا تنتشر كتب تطوير الذات وبناء الشخصية؟ هل لذلك علاقة بضعف وسائل التثقيف التقليدية التي كانت منوطة ببناء الفرد مثل الأسرة والتعليم، أم بسبب انتشارها عالمياً، أم بسبب تراجع الثقافة الحقيقية؟. يؤكد عدد من الكتاب أن كتب تطوير الذات انتشرت في الآونة الأخيرة لوجود حاجة ماسة لدى بعض الأفراد في تطوير أنفسهم مهنياً وشخصياً وفكرياً، كما أن ازدياد ضغوط الحياة والمشاكل الأسرية والنفسية أسهمت في ظهور هذا النوع من الكتب، وأوضحوا أن القارئ اليوم يبحث عن الحلول المباشرة والمختصرة والتي تغير من حياته وتجعله أكثر تناغماً مع التطورات السريعة، فالرحلة نحو الإبداع هي بحاجة حقيقية إلى كتب ومدربي التنمية.

الصورة
3

إن انتشار كتب تطوير الذات وبناء الشخصية ليس دليلاً على ضعف وسائل التثقيف التقليدية؛ بل على العكس تماماً، تأتي تلك الكتب مكملة لدور الأسرة والتعليم، وهي غالباً مباشرة وتخاطب القارئ وتمس واقعه عن قرب، ما يؤدي إلى سهولة وسرعة اكتساب زبدة المعلومات فيها.

ضغوط

القاصة والروائية فاطمة سلطان المزروعي، تقول: «ظاهرة انتشار كتب تطوير الذات زادت في الآونة الأخيرة وظهرت دور نشر وكتاب تخصصوا في هذا المجال، علماً بأن هذا المجال لم يكن موجوداً لدى العرب في ما مضى، لكنه منتشر لدى الغرب، وتمت ترجمة الكثير من الكتب الأجنبية التي أصبحت الأعلى مبيعاً لدينا، وبدأ أغلبية الشباب يتجهون للكتابة في هذا المجال أملاً في الشهرة أو التقليد أو البحث عن مضمار للنجاح، كما أن كثيراً منهم يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي في التحدث عن تطوير الذات واكتساب المعارف وحل المشاكل والتحدث في أمور ليست من اختصاصهم. لست ضد تلك الكتب، لكن يجب تعلم مهارة اختيار تلك الكتب التي تتحدث عن التطوير الذاتي والتدريب والتنمية البشرية، كما يجب معرفة المؤلف وسيرته وخبراته».

الصورة
3

وتضيف: «كثيرة هي كتب تطوير الذات التي تتحدث عن تحديد أهدافنا في الحياة، ثم تسهب في الحديث عن الفائدة التي ستعود علينا من تحديد الهدف والنتائج المتوقعة، لكن قلة من تلك الكتب تبلغك بالكيفية أو بالمهارة اللازمة لتحديد الهدف وكيفية بلوغه بأقل الخسائر وأفضل الطرق، وأمام السيل المعلوماتي الجارف الذي نعيشه الآن، بات موضوع اختيار أهدافنا أو ما يفيدنا من وسط هذا الكم الهائل من المعلومات مهمة شاقة، لكنها على درجة عالية من الأهمية؛ بل تعتبر بمثابة تحدٍ لكل منا، وهناك على هواتفنا المحمولة العشرات من التطبيقات التي بواسطتها تصلنا الأخبار ومختلف المعلومات التي نقضي في تصفحها جزءاً كبيراً من يومنا، لكننا لا نفرز أو نهتم بمحاولة معرفة اهتماماتنا، لست ضد هذه الظاهرة، لكني مع حسن الاختيار والدقة».

مشاكل جديدة

الدكتور ياسين الزبيدي كاتب وأكاديمي، يقول: «قدم التطور التكنولوجي الكبير الكثير من وسائل الراحة والرفاهية، لكنه في نفس الوقت أضاف مشاكل جديدة لم تكن في الحسبان؛ حيث الإحساس بوفرة الوقت في الماضي كانت تجعلنا نقوم بالكثير من الأمور وننجز العديد من المهام، قابله اليوم الإحساس بشحة الوقت وعدم وجود متسع من الزمن للعديد من الأمور والقضايا وأهمها البعد الثقافي للإنسان مثل الرواية والأدب والشعر، إن أعباء هذه الثورة التكنولوجية الكبيرة كونت ملامح حياة سريعة يريد فيها الإنسان الوصول بأقصى سرعة إلى حل مشكلاته، ومن هنا ظهرت كتب تطوير الذات أوالتنمية البشرية لتوجد حلول لما يعانيه إنسان اليوم».

ويتابع: «يبحث القارئ اليوم عن كتاب يحل مشاكله ولا يبحث عن كتاب فقط ليقرأه من أجل متعة القراءة، فالإنسان الذي يجد صعوبة في التأقلم مع بيئة العمل الجديدة يبحث عن كتاب لتطوير الشخصية من أجل أن يحسن من قابليته في التواصل مع الآخرين، وهو لا يجد جدوى من قراءة رواية من 400 صفحة تتحدث عن الأساليب الحكيمة في المخاطبة، والذي يظهر فحواها من خلال أحداث الرواية التي قد يصل إليه مغزاها بصورة غير مباشرة، هو يريد الحلول المباشرة والمختصرة والتي تغير من حياته وتجعله أكثر تناغماً مع التطورات السريعة، كما أن الثقافة بمفهومها التقليدي عليها أن تغير أسلوبها في مخاطبة القارئ، والذي بات يركض وراء المختصرات التي تحسّن من حياته وتجعله يقف أمام تحديات عصره بأساليب غير تقليدية، لذلك على الكتّاب والمؤلفين أن يبحثوا عن الوسائل التي تقدم ثقافة حقيقية بإيقاع جديد ومختلف كي ينافسوا في السباق الأدبي الجديد».

هناي قاسم الشالجي كاتبة ومدربة تنمية ذاتي، تقول: «لطالما أشير إلى أن شخصية الفرد هي غالباً ما تكون نتاج أسرته، والظروف المحيطة به منذ سنوات نشأته الأولى بما يشمل ذلك المدينة التي عاش بها والوضع الاقتصادي للعائلة والمستوى الثقافي للمحيط إلى آخره من العوامل، فينتج للمجتمع شخصية تتأثر بالكثير من السلبيات، تحول بينه وبين الإبداع، وعلى الإنسان أن يدرك أنه هو المسؤول عن بناء نفسه و هو القادر على استنهاض كل الإيجابية في ذاته التي و للأسف قد أخفتها المشاكل التي زرعها فيه المحيط مثل: أنت فاشل، لن تنجح، أنت سمين، أنت جبان، أنت قبيح».

وتؤكد أنه خلال رحلة التخلص من هذه المشاكل يحتاج البشر إلى مرشد، فيأتي هنا دور كتب التنمية وكتب تطوير المهارات ودور مدرب الحياة والمستشار الشخصي والنفسي.

حياة أفضل

المهندسة لجين علي فهمي قارئة نهمة في كتب تطوير الذات، تقول: «إن كتب تطوير الذات وبناء الشخصية يجب أن تتواجد في كل مكتبة منزل أو صرح علمي لما لها من تأثير على حياة الأفراد اجتماعياً وعملياً وقراؤها من جميع الفئات و الأعمار، فهي ليست حكراً على هاوي الأدب واللغة مثلاً، و يكفي أن يشعر القارئ برغبة حقيقية لرسم حياة أفضل ليتعمق في تلك الكتب باستمتاع، وهي غالباً مباشرة وتخاطب القارئ وتمس واقعه عن قرب مما يؤدي إلى سهولة وسرعة اكتساب زبدة المعلومات فيها، على عكس القصص والروايات مثلاً التي تعتمد على استنتاج وتحليل القارئ مما يتطلب وقتاً أطول».

وتتابع: «ما قرأته في كتب تطوير الذات لم يصادفني في المدارس والجامعة، بعض المبادئ كانت مكتسبة من الأسرة، لكن هذا لا يقلل من أهمية الرجوع للكتّاب والمؤلفين لصقل المهارات بطرق عملية مدروسة، كما أنني أؤمن بأهمية زرع المحتوى في أطفالنا و مراهقينا منذ الصغر لأسباب عديدة منها تصويب ما تحرفه مواقع التواصل الاجتماعية في حياة الأجيال بمدخلات سطحية غير ملائمة للعقول ولا للأعمار، وليستعد الجيل الجديد لمواجهه التحديات التي لا مفر منها في مختلف المجالات، ولا ننسى أن الجيل الحالي حظي بالفرصة المناسبة عندما أطلقت مبادرة تحدي القراءة في الإمارات».

تقليد غربي

الكاتب نبيل الحريبي الكثيري يقول: كتب تطوير الذات انتشرت بشكل كبير في العقدين الماضيين والسبب الرئيسي لانتشارها وتداولها بين الناس المتطلبات الاجتماعية؛ حيث أصبح غالبية الناس يرغبون في أن تكون كافة أو معظم تصرفاتهم شبه مثالية، كما أن حالة عدم الثقة التي انتشرت بين الناس في المجتمعات الغربية في السبعينات والثمانينات انتقلت للمجتمعات العربية ولم يعد أحداً يقدم النصح دون مصلحة أو هدف إلا في ما ندر، و احتفظ أصحاب الخبرة بأسرارها إلا للمقربين جداً منهم، كما أن معظم الأعمال الفنية بمختلف أنواعها لم تعد هادفة ولا تقدم النصح بشكل عام، ومن هنا كان لابد للإنسان أن يعتمد على نفسه، وقد اشتغل بعض من المثقفين على هذا الوتر وبدأوا بترجمة كتب تطوير الذات الغربية، وجاء الإقبال كبيراً على تلك الكتب وهنا استغل البعض الفرصة وأصدروا كتبهم الخاصة المملوءة بالاقتباسات الغربية، لكن كما أن لكل بداية نهاية، فقد انحسرت تلك الزوبعة التي استمرت لعقدين من الزمن تقريباً، فمنذ ثلاثة أعوام لم يعد الكثيرون يبالون بتلك الكتب، وانتقل ذوق الجمهور إلى كتب القصص والروايات والسير الذاتية مجدداً.

دور تكميلي

الكاتب حمدان العامري، يقول: «لا أرى أن انتشار كتب تطوير الذات وبناء الشخصية دليلاً على ضعف وسائل التثقيف التقليدية التي كانت منوطة ببناء الفرد مثل الأسرة والتعليم؛ بل على العكس تماماً، تأتي تلك الكتب مكملة لدور الأسرة والتعليم، فمن المرجح أن ينشغل بتطوير ذاته ذلك الشخص الذي نشأ على أساس أسري متين، و من الطبيعي أن يتساءل القارئ وينساق بخطى الفضول نحو قراءة بعض كتب تنمية الذات للاطلاع على التجارب والخبرات الحياتية من منظور شخصي».

ويلفت إلى أن كتب تطوير الذات تضفي خبرات جديدة بقالب أكثر مرونة وسلاسة بعيداً عن التنظير الأكاديمي أو الإرشاد الأسري، فكثير من الشباب يتجهون لاقتناء كتب لشخصيات ذات أثر إيجابي واضح سواء من رواد الأعمال أو مدربي التنمية البشرية، لأنهم بحاجة إلى الاطلاع على تجارب قريبة منهم والاستفادة من العقبات والإنجازات التي تذكرها تلك الكتب، هذا يسهل الطريق على الشباب ويختصر عليهم الوقوع في الأخطاء نفسها، محاولين البدء؛ حيث انتهى الآخرون، على سبيل المثال، عندما يتعلم شاب مهارات واستراتيجيات معينة مثل «ابدأ بالأهم قبل المهم» من كتاب ستيفن كوفي «العادات السبع للناس الأكثر فاعلية»، يستطيع الشاب اختصار المرور بسنوات من محاولات لتغيير عادة التأجيل لديه أو عادة عدم تنظيم الوقت فقط من خلال تطبيق بعض العادات البسيطة المذكورة في الكتاب، إن بعض كتب التنمية تسهم في تغيير حياة البعض، لكن هذا كله يعتمد على القارئ فهناك من يقرأ ولا يعي وهناك من يعي ولا يطبق.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"