عادي
من الصين إلى البحر المتوسط

«طريق الحرير».. شريان التجارة في العالم القديم

23:15 مساء
قراءة 3 دقائق
5

في الثالث عشر من مايو/ أيار 1996 اجتمعت وفود 40 دولة بينهم رؤساء دول، وكان هدف الاجتماع، إعلان قيام «طريق الحرير الجديد» من خلال خط سكك حديدية، يربط بين بكين وإسطنبول، ومن خلاله تستعيد الصين مكانتها كمفترق طرق بين آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، وهو الدور الذي سبق لها القيام به في الماضي، كما أنه سيربط دول آسيا الوسطى بالمياه الدافئة، وسيكون وصول بضائع الصين إلى عالم البحر المتوسط والشرق الأوسط أسهل من خلاله.

وهكذا تعود الحياة على طريق الحرير، الذي خطه التجار منذ ما يزيد على ألفي سنة، عندما كانوا ينقلون النفائس بين الشرق والغرب، وهو الطريق الذي سار عليه الغزاة والفاتحون، كالإسكندر الأكبر والرومان والفرس وجيوش الفتح الإسلامي وجحافل جنكيز خان وهولاكو وتيمور لنك، وحمل هذا الطريق الدعاة والمبشرين البوذيين واليهود والمسيحيين والمسلمين، وعليه سار الرحالة العظام مثل ابن بطوطة وماركو بولو وشيان تسونج، الذين لولاهم لما عرفنا كيف كان حال الطرق في العصور التي عاشوا فيها.

كل ما كان يرجوه ماركو بولو – كما يوضح إيرين فرانك وديفيد براونستون في كتابهما «طريق الحرير» – هو أن يستمع الناس إلى ما رواه عن تلك العجائب، التي رآها على طول طريق الحرير، الذي كثرت حوله الروايات، وعندما سجل ماركو بولو مشاهداته في نهاية القرن الثالث عشر، لقي ذلك تقدير عدد قليل من الناس، ولم يصدقه إلا قليل، فقد كان الأوروبيون الذين تميزوا بضيق الأفق في العصور الوسطى، في ريب من رواياته عن المدن القديمة الواقعة وسط بحار الرمال وعن ملوك يرفلون في ثياب من الحرير، ويجلسون على عروش طليت بالذهب وعن المدن الشرقية التي تفوق مدن أوروبا عظمة وجمالاً.

لكن ما لم يدركه ماركو بولو هو أن هذا الطريق على مر الآلاف من السنين سار فيه التجار والباحثون عن الثروة والحجاج والجنود والمغامرون والمهاجرون، أما التاريخ المتعارف عليه لبدء السير في طريق الحرير فهو سنة 105 أو 115 قبل الميلاد، ففي ذلك الوقت سار الصينيون حتى منتصف الطريق عبر آسيا، ليربطوه بطريق مشابه يسير من عند البحر المتوسط إلى وسط آسيا، ومع ذلك فالواقع يقول عن طريق الحرير أنه أقدم من ذلك بكثير، فربما يعود إلى ألفي سنة قبل ذلك أو يزيد، إذ ظل طريق الاتصال بين البحر المتوسط والصين ما لا يقل عن أربعة آلاف سنة.

وإذا كان طريق الحرير أحد أعظم الطرق التجارية في العالم، فقد يكون كذلك أكثرها أهمية من حيث كونه طريقاً لتبادل الأفكار، فعلى هذا الطريق انتقلت بعض أهم الأفكار والتقنيات في العالم، كالكتابة والنسيج والزراعة وركوب الخيل وغيرها، وكان للدين أيضاً دور كبير على طول طريق الحرير، وربما يكون الإسلام والبوذية أهم الديانات التي صاغت شخصية الطريق في عصر كل منهما، إلا أن ديانات كثيرة أخرى عبرت قارة آسيا على هذا الطريق.

وفي الوقت نفسه – كما يوضح الكتاب – ساعد طريق الحرير على حدوث تبادل من نوع مختلف، فكثير من الزهور والفواكه التي يعتبرها الغرب نباتات محلية موطنها الأصلي هو الصين، وانتقلت إلى الغرب من خلال طريق الحرير، من هذه الزهور والفواكه الورد والكاميليا والبرتقال والخوخ والكمثرى، وكما أعطت الصين الغرب أخذت منه، ومما أخذته العنب والخيار والتين والرمان، بالإضافة إلى السمسم والثوم والكزبرة وعباد الشمس.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"