عادي

متاهة مصطلح

22:36 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود

من أكثر المصطلحات التي وجدت لغطاً كبيراً في الأوساط الثقافية والأدبية، مصطلح «الأدب النسوي»، ولعل سبب الضجة الكبيرة التي ارتبطت به تعود في الأساس إلى طبيعة الإبداع نفسه، فالذين رفضوه أكدوا أن الكتابة الأدبية ليست مجالا للتصنيف على أساس النوع «الجندر»، فالإبداع لا يعترف بتقسيم الأدب إلى ذكوري، وآخر أنثوي، ويدفعون بأن الأصل في القضية هو الأدوات والفكرة والرسالة والأسلوب، بينما راح آخرون، خاصة في العالم العربي، يتحدثون عن سمات أنثوية تميز الأدب النسوي.

من الواضح تماماً أن معظم النقاد الذين رفضوا وجود أدب نسوي؛ أي يخص المرأة، وفيهم نساء، هم من الذين نظروا إلى سطح القضية، ولم يغوصوا عميقا في جذورها ومنابعها، ولأن الأمر كذلك بالنسبة إلى هؤلاء النقاد فإنهم يجهرون بعدم اعترافهم بوجود أدب نسوي، ويسبقون ذلك النفي بعبارة «ما يسمى» تأكيداً للحالة الإنكارية المشددة، ودائماً ما يرددون أن «الأدب معروف»، وتلك عبارة تحيلنا إلى يقين مطلق لا تليق بالتعبير عن الأدب الذي هو متغير ولا يعترف بالثبات، وغالباً ما يشيرون إلى أن الإبداع يتم تحديد جمالياته من خلال أساليب السرد وتوظيف الشخوص، والبنية الدرامية، وغير ذلك من «الأطر المحددة» و«المعايير» التي «تقاس»، بها جماليات الأدب والإبداع، بغض النظر عن تصنيف الكاتب إلى رجل وامرأة، وذلك بالطبع أمر غير صحيح، فمن الواضح أن الأدب النسوي أنتج الكثير من الكاتبات اللواتي أحدثن فتوحات في عالم الكتابة، ومثال لذلك فرجينيا وولف التي تعتبر من بين رائدات الكتابة النسوية، وكذلك سيمون دي بوفوار، وغيرهما، وهناك الكثيرات منهن في العالم العربي.

تجارب

وعلى الرغم من أن بعض النقاد يرون أن الأدب يعتمد بصورة كبيرة على خبرة وتجربة صاحبه، أو صاحبته، في الحياة، إلا أنهم لا يواصلون هذه الفكرة إلى نهايتها، فالتجارب الأنثوية تختلف بطبيعة الحال عن الذكورية، لأسباب كثيرة، منها التاريخي والاجتماعي والأيديولوجي والسياسي، وغيرها من عواملن كرست لفكرة تفوق الرجل وعدم المساواة بين الجنسين، وذلك بالطبع قاد إلى قضايا خاصة بالمرأة وصراعها اليومي في الحياة، وبالتالي هي تمتلك تجارب مختلفة عن الرجل، وبطبيعة الحال فإن طرائق تعبيرها مختلفة، وذلك ما قاد إلى وجود أدب نسوي.

وهناك نوع آخر من النقاد والأدباء، الرجال بطبيعة الحال، يرون أن الأدب النسوي هو ذلك المتعلق بأسلوبية أنثوية تتضح من خلال عطرية خاصة، وبوح يخص المرأة، ويحتشد بتعبيرات تنتمي إلى عالم المرأة، بحيث تتكرر فيها الشكوى والآهات والحديث عن الألم والدموع، وربما أيضاً الفرح الخافت والأمل القاتم بصيغة أنثوية، وهؤلاء طبعا ينظرون إلى الأسلوب، وربما يكونون محقين، لكنهم يتجاهلون أيضاً سؤال: لماذا توجد مثل هذه التعبيرات الشاكية والباكية والتي تنشد الأمل في حياة مغايرة في الكتابات النسوية؟ هؤلاء لا يغوصون أعمق من ترديد ذلك الأمر، ولا يجيبون عن السؤال، بل يتجاهلونه، لأنهم يعتقدون أن ذلك هو طابع الكتابة الأنثوية بصورة مطلقة، ولا يريدون أن ينظروا إلى مصدر الآهات والصرخات المكتومة داخل النص الإبداعي النسوي، لأنهم يعتقدون أن تلك هي طبيعة ذلك الأدب، وخطورة مثل هذا النقد أنه لا ينفتح على المشاكل الحقيقية للمرأة والصراعات التي خاضتها من أجل الانتصار لقضيتها، وأبرزها الانفكاك من هيمنة الرجل والرغبة في المساواة معه.

لحظة نضالية

الواقع أن مصطلح الأدب النسوي هو قديم، تسرب إلى داخل منظومة الحقل الإبداعي والنقدي في العقد السابع من القرن التاسع عشر في فرنسا، وسرعان ما أندلع كالنار في الهشيم في كل أنحاء العالم بصور مختلفة، وكان للصحافة دور مهم الترويج له وطرحه للتداول، وهو منذ ذلك الوقت يشير إلى الأدب الذي يكتب بواسطة المرأة في سياق رفض للقيم والتقاليد والعادات السائدة في حينها، والتي تظلمها وتحط من شأنها، بالتالي هو مصطلح أو مفهوم مرتبط بلحظة نضالية تنشد متغيرات اجتماعية وفكرية، من أجل أن يحل واقع جديد في مكان القديم، فذلك الأدب يرتبط بحركة نصرة المرأة وصراعها الطويل من أجل الحرية والمساواة، وبالتالي فهو ليس حكراً على النساء فقط، لأن هناك كتاب آمنوا بحقوق النساء حول العالم، لكن بطبيعة الحال فإن الكتابات الأنثوية هي الأقدر والأجدر بحمل هم تلك القضية الحقيقية غير المصطنعة، حيث إن الإبداع النسوي هو ترياق ضد ما تعرضت له المرأة في الغرب وبقية العالم، وهو بمثابة رفض للظلم الاجتماعي، إذ تنشد الكتابات النسوية تغير المفاهيم.

خصوصية

ويؤكد مصطلح «الأدب النسوي»، أن المرأة تتمتع بخصوصية في الكتابة تجعل من الضروري بمكان تصنيف إبداعها كشيء مختلف عن الكتابة الذكورية، تتحدد في ضوئه القيمة الابداعية للنص النسوي، وبالتالي فإن الأدب النسوي لا يمثل ظاهرة مؤقتة، فوجود ذلك النوع من الإبداع ارتبط بمسارات طويلة وموجات من الحركات النسوية التي تعبر عنها تيارات مختلفة، قد تكون متباينة، لكنها في المحصلة النهائية تؤكد وجود خصوصية لقضايا النساء يعبرن عنها وفق كتابات وإبداع معين، فهناك مدرسة ليبرالية، وأخرى يسارية، وهناك راديكالية..الخ.

وقد رفد الأدب النسوي الرواية والقصة وكذلك الشعر وغير ذلك من الأنماط الإبداعية بخصائص وإبداعات فنية جديدة، وأكد قدرته، عبر الأفكار والرؤى والمواضيع.

والواقع أن المصطلح لم يغب تماماً، لكن غياب النقد الأدبي النسوي الذي يهتم بدراسة تاريخ المرأة والفوارق بينها والرجل، والذي يركز على مسألة الإقصاء والتهميش الذي تعرضت له النساء عبر التاريخ، وصورة ذلك في الإبداع وتأثيره في المتلقي، جعل المصطلح يتوارى في الكثير من الأحيان.

حقيقة موضوعية

زودت المرأة الرواية والقصة وكذلك الشعر بمميزات وإبداعات فنية جديدة، ولذلك سيظل مصطلح الأدب النسوي حقيقة موضوعية، وسيظل باقياً طالما أن هناك قضية للمرأة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"