عادي
قراءات

«الصمت».. رواية عن صخب الروح اليابانية

23:40 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

في مقابلة مع الكاتب الياباني شوساكو إندو (1923 – 1996) نشرتها «نيويورك ريفيو أوف بوكس» يقول: «لقد جعلتني أمي في الثالثة عشرة من عمري أرتدي ملابس غريبة لا تناسبني، ومنذ ذلك اليوم أحاول دونما نجاح أن أجعل من هذه الملابس كيمونو» ويرى المترجم كامل يوسف حسين أن هذه الفقرة تعبر عن مشكلة الضمير الياباني، كما يتصورها إندو على نحو رمزي، فهو يسأل عما إذا كانت الكاثوليكية التي نقلت إلى الضمير والعقل الياباني مفاهيم دينية معينة، شجرة تضرب جذورها في الأرض، لدى تفرعها في اليابان، أم أنها تنمو في مستنقع، وسرعان ما تذوي وتنهار.

يوضح كامل يوسف حسين في تقديمه لترجمة رواية «الصمت» لشوساكو إندو، أن ما يؤكد تلك الرؤية أن القس في الرواية يصارع في كل لحظة هزيمته، وفي روايته «الأحمق العجيب» يطرح إندو إشارة إلى مخرج محتمل من المستنقع، الذي قد يلحق الهزيمة ببطل «الصمت» كما يكشف كذلك عن حس بالغ الرهافة بالفكاهة والسخرية، ويواصل النفخ في جمرات الذنب، التي تتوهج في الضمير الياباني عبر روايته الصادرة عام 1954 بعنوان «حينما أصفر» ويشدد على أن اليابان لم يكن فيها ما يدعو إلى الشعور بالذنب، خلال الحرب العالمية الثانية فحسب، وإنما في حياتها الراهنة كذلك.

في روايته «البركان» يوضح إندو التضارب الحاد بين مراكمة الثروات وبين إعادة النظر في أعماق مفاهيم الضمير الياباني، والشخصيات الرئيسية هنا قس مسيحي يرغب في بناء دار تابعة للكنيسة فوق جبل، تتضارب الأقوال حول ما إذا كان البركان الذي يتوجه خامداً، أم أنه يوشك على أن يدفع بحممه إلى البحر.

وفي المقابل يأمل كاهن مرتد أن يثور البركان، لعله يحطم قشرة الإيمان السطحية، ويخلق إيمان الأعماق، ويظل البركان هو البطل الحقيقي، ويبقى التحدي الذي يطرح في الرواية قائماً، حتى السطر الأخير من العمل، ويظل السؤال معلقاً مع ثورة البركان التي لا تقع أبداً وإن كان يمكن أن تقع في أي لحظة.

يستمد إندو مادته في رواية «الساموراي» من حادثة تاريخية واقعية، ففي أكتوبر 1613 انطلق أربعة من الساموراي راحلين إلى المكسيك في سفينة، أعدت خصيصاً لهذا الغرض، وبصحبتهم راهب إسباني كمترجم لهم، كان الهدف من البعثة الغريبة الحصول على امتيازات تجارية في الغرب، مقابل حق المبشرين الأوروبيين في التبشير بالمسيحية على أراضي اليابان.

مع وصول البعثة إلى طريق مسدود في المكسيك، رحلت إلى إسبانيا وإيطاليا، ورغم تحول الساموراي الأربعة إلى المسيحية واستقبال فيليب الثالث عاهل إسبانيا والبابا بولس الرابع لهم، فإن رحلتهم لم تثمر شيئاً فعادوا إلى اليابان عام 1620.

هذا كتاب للتأمل – كما يؤكد كامل يوسف حسين في تقديمه - والتأمل هنا رحيل شرس عبر التخوم، والتخوم التي يدعونا إندو إلى اقتحامها هي مجموع القضايا الأساسية التي تؤرق ضمير الإنسان الياباني، منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها.

وإذا كان اليابانيون يعتبرون أن توازن إيقاعهم مع ما يحوطهم شيء بالغ الأهمية، ويجدون فيه سعادتهم، فإن إندو في «الصمت» يرى أن قوة الإنسان الداخلية ليس لها مثيل على الأرض، لكن بعض الناس لا يرضون عن سعادتهم فيتصرفون كأنهم كثبان رملية، لا يمكنهم الاستقرار في مكان، ويبقون مشتتين طيلة العمر.

يؤكد إندو أن الكثبان الرملية تنتهي بالتلاشي، وهذه الرواية تدور أحداثها في القرن السابع عشر، تمتلئ بالتساؤلات حول وصول المسيحية إلى اليابان، وبطل الرواية الياباني يقوم بمرافقة أحد المبشرين القادمين من البرتغال، ويرى الكاتب من خلال مواقف بطله وتحولاته أن حب الله ينبسط أمام الإنسان في قوته وضعفه.

ولد شوساكو إندو في طوكيو، ونال درجة علمية في الأدب الفرنسي من جامعة كيبو وحصل على منحة دراسية من الحكومة اليابانية، مكنته من مواصلة الدراسة لعدة سنوات في فرنسا، عاد إثرها إلى اليابان، ليشق طريقه في غمار الساحة الأدبية اليابانية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/34wpbus4

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"